طب وصحة

لماذا تتفاوت معدلات الوفاة بفيروس كورونا من دولة لأخرى؟.. خبراء يجيبون


بلغ معدل الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد في إيطاليا حتى نهاية مارس الماضي، 11% من إجمالي المصابين، بينما لم يتعدَ في ألمانيا نسبة 1%، مقابل 4% في الصين، في حين أن أقل معدل وفيات في العالم كان من نصيب إسرائيل، إذ بلغ 0.35%، فلماذا يتفاوت عدد الوفيات من بلدٍ لآخر؟

قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى أن يؤدي فيروس واحد -لم يثبت أنه تحور كثيرًا أثناء انتشاره- إلى هذا التفاوت الكبير في أعداد الوفيات المبلغ عنها، ويمكن إرجاع ذلك إلى عوامل عدة، أهمها طرق إحصاء الحالات وفحصها، وفقًا لموقع BBC عربي.
معدلات الوفيات المتباينة

أولًا، يثير مصطلح “معدل الوفيات” الكثير من الالتباس، ولهذا، قد تتباين الأعداد بشدة من بلد لآخر، رغم أن سكانها يموتون بنفس المعدل، وذلك لأن معدلات الوفيات تحصى بطريقتين:

الأولى: تقوم على احتساب نسبة الوفيات من إجمالي عدد الإصابات المؤكدة.

الثانية: تقوم على قسمة عدد الوفيات على إجمالي عدد المصابين بالمرض دون إجراء الفحص لهم.

ويقول كارل هينغان، أخصائي أوبئة بجامعة أكسفورد، إن الطريقة الأولى تحسب عدد الذين يجزم الأطباء أنهم توفوا إثر الإصابة بالمرض، في حين تحسب الطريقة الثانية عدد الأشخاص الذين يعتقد أن الفيروس أودى بحياتهم، رغم عدم إجراء فحوص مخبرية.

وهذه الطرق في احتساب عدد الوفيات تؤثر على النتيجة، فإذا أصيب 100 شخص على سبيل المثال بفيروس كورونا المستجد، ونقل 10 منهم إلى المستشفى بعد أن اشتدت أعراض المرض وثبتت إيجابية تحاليلهم معمليا للفيروس، في حين أن الـ90 حالة الأخرى لم تجرَ لها تحاليل قط ثم مات أحد المرضى في المستشفى بينما نجا سائر المصابين، سيكون المعدل 1 من 10 أو 10%، في حين أن نسبة الوفيات من الحالات المصابة إجمالًا سيكون 1 من 100 أو 1%.

وإذا كانت الدولة لا تجري فحوصًا مخبرية لتشخيص الإصابة بفيروس كورونا سوى للأشخاص الذين تشتد عليهم الأعراض وينقلون للمستشفيات، كما هو الحال في بريطانيا، فإن معدل الوفيات في هذه البلدان سيبدو أعلى منه في البلدان الأخرى التي تجري فحوص مخبرية لجميع المصابين، سواء ظهرت عليهم أعراض أم لم تظهر، كما هو الحال في ألمانيا وكوريا الجنوبية.

تأثير الفحوص المخبرية

ويشير ديتريك روثنباكر، مدير معهد علم الأوبئة والبيولوجيا الإحصائية بجامعة أولم بألمانيا، إلى إن هذا التباين الكبير في أعداد الوفيات من دولة لأخرى، سببه الرئيسي نقص الفحوص المخبرية للمصابين في الكثير من الدول.

ويرى روثنباكر أنه لا يمكن الحصول على معدلات دقيقة للوفيات، إلا بفحص جميع سكان البلدة التي ينتشر بها المرض، وبهذه الطريقة، ستكشف نتائج الفحوص عن مدى تأثير الوباء على جميع السكان وليس المصابين فقط.

وتعد قرية فو شمالي إيطاليا، مثالًا على أهمية دور الفحوص المخبرية لاحتواء فيروس كورونا المستجد، وليس للحصول على بيانات دقيقة فحسب، فعندما ظهرت أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد فيها، أجريت فحوصات للبلدة بأكملها التي يبلغ عدد سكانها 3,300 شخص، وأظهرت النتائج أن 3% من السكان أصيبوا بالعدوى منذ ظهور الحالة الأولى، لكن لم تظهر عليهم أعراض أو ظهرت عليهم أعراض طفيفة.

ودشنت آيسلندا برنامجًا مشابهًا، إذ أجرت فحوصًا مخبرية لأكثر من 3% من سكانها، البالغ عددهم 365,000 نسمة، وأظهرت النتائج أن 0.5% من سكانها من المحتمل أن يكونوا مصابين بفيروس كورونا المستجد.

وتؤكد شيلا بيرد، من وحدة الإحصاءات الحيوية التابعة لمجلس الأبحاث الطبية بجامعة كامبريدج، أن الفحوصات المخبرية تلعب دورًا مهمًا في وضع تدابير الصحة العامة، إذ يعد الشخص مصابًا بالعدوى إذا انتقل إليه الفيروس حتى لو لم تظهر عليه أي أعراض، ولكن لا يمكن تأكيد الإصابة إلا بفحص الأجسام المضادة، للكشف عن آثار أي استجابة مناعية للجسم تجاه الفيروس.

وتكمن أهمية فحص الأجسام المضادة في أنها يستدل منها على الأشخاص الذين اكتسبوا مناعة ضد الفيروس، ويمكنهم ممارسة حياتهم اليومية بأمان، لأنهم لن يصابوا بالعدوى ولن يساهموا في نشرها.

واستطاعت بلدة فو أن توقف انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد في غضون أسبوعين، من خلال إتاحة الفحوصات المخبرية لعدد كبير من السكان، ووضع تدابير صارمة لاحتواء الفيروس.
كيف يمكن الجزم بأن الفيروس هو سبب الوفاة؟

ثمة عوامل أخرى تؤثر على معدلات الوفيات، منها إثبات أن سبب الوفاة هو فيروس كورونا المستجد، فقد يكون المريض مصابًا بأمراض أخرى، مثل الربو، وتفاقمت حالته بسبب بفيروس كورونا المستجد، أو ربما يكون المريض قد توفي إثر إصابته بمرض آخر لا يرتبط بفيروس كورونا المستجد، مثل تمدد الأوعية الدموية في الدماغ.

ويؤثر تقدير الأطباء لأسباب الوفاة على معدلات الوفيات، ففي المملكة المتحدة، تنشر وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية الحصيلة اليومية للوفيات جراء الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد، حتى لو كان سبب الوفاة مرض آخر، مثل السرطان.

إلا أن الأطباء في الولايات المتحدة يلتزمون بكتابة أسباب الوفاة في تقارير وفيات فيروس كورونا المستجد التي يرفعونها إلى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.

لكن في الوقت الراهن، تنسب جميع الوفيات بين المرضى المصابين بالعدوى إلى فيروس كورونا المستجد، حتى لو كان الطبيب يرى أن الفيروس لم يكن سببًا مباشرًا في الوفاة.

وعليه، سيؤثر عدد الوفيات المنسوبة إلى فيروس كورونا المستجد على فهمنا لوخامة المرض على المدى الطويل.
قد يهمك: تنهي الأزمة أم تؤججها؟.. إليك تأثير حرارة الصيف على فيروس كورونا
أسباب متشابكة

من المرجح أن ينسب الأطباء الوفاة إلى هذا المرض في حال تفشيه، حتى لو كان المريض مصابًا بأمراض أخرى مسبقة، ولهذا يقول هينيغان إن الأطباء يتوقعون الأسوأ عادة عندما تتفشى الأوبئة.

فعندما تفشى وباء إنفلونزا الخنازير في عام 2009، على سبيل المثال، كانت التقديرات الأولية لمعدلات الوفيات أعلى بمراحل منها فيما بعد، وتراوحت بعد عشرة أسابيع من انتشاره بين 0.1 و5.1%.

وعندما أتيحت الفرصة للأطباء لمراجعة الملفات وتقييم الحالات، انخفضت معدلات الوفيات الفعلية جراء فيروس أنفلونزا الخنازير إلى 0.02%، أي أقل بمراحل من المعدلات السابقة.
وفيات تسقط سهوًا

وعلى النقيض من المبالغة في تقدير الوفيات، قد يموت بعض المرضى جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد دون أن تشخص حالاتهم أو يخضعوا لأي فحوصات مخبرية، ومن ثم لا تسجل الوفاة على أنها ناجمة عن فيروس كورونا المستجد، ولا سيما في الدول التي تعجز فيها المستشفيات عن استيعاب المرضى.

وقد سجلت في بلدة نيمبرو بإقليم لومبارديا الإيطالي 31 حالة وفاة فقط جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد، لكن دراسة أولية كشفت عن أن عدد الوفيات جراء فيروس كورونا المستجد من المحتمل أن يكون أعلى بمراحل، لأن عدد الوفيات المسجلة في مكاتب البلدية هذا العام، كانت أعلى بحوالي 4 مرات منها في نفس الفترة من العام السابق.

وربما تعزى هذه الزيادة الكبيرة في الوفيات إلى وجود حالات مصابة بفيروس كورونا المستجد لم تجر لها فحوص مخبرية.

وعندما تتجاوز الحالات الطاقة الاستيعابية لأنظمة الرعاية الصحية، قد تتخذ المستشفيات قرارات مبكرًا لإعطاء الأولوية لبعض الحالات الحرجة، وتحرم غيرها من العلاج، ومن ثم ترتفع معدلات الوفيات جراء فيروس كورونا بين المرضى الذين لم تشخص حالاتهم.

ويوضح هينيغان أن نقص الأسرّة في المستشفيات لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة عدد الوفيات إجمالًا، لكن طريقة تنظيمها في المستشفيات، في حال كانت ملاصقة لبعضها، أو تنقل الأطباء بين الأقسام المختلفة، قد يسهم في نشر العدوى بين المرضى.
هل يلعب العمر دورًا في زيادة معدل الوفيات؟

ثمة عوامل أخرى تسهم في ارتفاع عدد الوفيات بشدة في بلد دون الآخر، منها التركيب العمري للسكان، ففي عام 2019، كان كبار السن الذين يتجاوزون 65 عاما يمثلون ربع سكان إيطاليا، بينما في الصين يمثلون 11% فقط. وبلغت معدلات الوفيات في إيطاليا منذ منتصف مارس الماضي 7.2%، في حين بلغت في الصين 2.3% في نفس المرحلة من تفشي الفيروس.

وتفاوتت أيضًا نسب الوفيات بين كبار السن في البلدين، فبينما بلغت نسبة الوفيات بين كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 70 و79 عاما في إيطاليا 12.8%، فإنها لم تتعدَ 8% في الصين.

ويرجع هينيغان هذا التفاوت إلى عوامل لا علاقة لها بالفيروس، مثل الجراثيم، إذ سُجِل في إيطاليا أعلى عدد من الوفيات الناجمة عن مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية بين دول الاتحاد الأوروبي، بل إن ثلث الوفيات الناجمة عن مقاومة المضادات الحيوية في الاتحاد الأوروبي وقعت في إيطاليا.

صحيح أن المضادات الحيوية لا تساعد في القضاء على الفيروسات، لكن العدوى الفيروسية قد تسبب عدوى ثانوية أو مضاعفات، مثل الالتهاب الرئوي الجرثومي، الذي قد يؤدي إلى الوفاة في حال استعصت الجراثيم على العلاج بالمضادات الحيوية.

وقد تسهم الحالة الصحية للمواطنين أيضًا في ارتفاع أعداد الوفيات، ولا سيما في حالة انتشار أمراض مزمنة بين السكان.

قد يكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، معرفة الأعداد الحقيقية للوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد، إذ لا تزال وتيرة إجراء الفحوصات المخبرية بطيئة في الكثير من دول العالم

وربما مع الوقت ستتضح الصورة الكاملة لانتشار الفيروس، بعد أن يراجع الأطباء الملاحظات ويكشفون عن الأسباب التي أدت لوفاة كل مريض كان مصابا بفيروس كورونا المستجد. لكن في الوقت الراهن هذا التحليل الشامل للمعلومات لم يحن أوانه بعد.

مصراوي