رأي ومقالات

سبعة أخطاء استراتيجية في العلاقات السودانية الأمريكية من ١٩٩٠ – حتى الآن

استفسار افراد من العائلة عن تعليق للقائم بالأعمال السابق بواشنطن الأستاذ معاوية عثمان خالد، قادني لكتابة هذه النقاط التي امل ان تكون ذات فائدة للقارئ والمتابع. السفير السابق معاوية عثمان خالد من الاكفاء الذين عملوا في هذه المحطة وشهد عهده انفراجا كبيرا في العلاقات السودانية الامريكية ولعل بداية تصحيح المسار في قضايا السودان في المحاكم الامريكية استكملت فعليا في عهده بعد ان بدأت في ٢٠٠٤ ابان عهد الدكتور خضر هارون لكنها لم تستمر كما سنرى لاحقا.
أحاول من خلال هذه النقاط تسليط الضوء على العلاقات السودانية الأمريكية في الثلاثين عاما الأخيرة حتى الان.
– لا بد من التنبيه ان سياسية الولايات المتحدة تجاه السودان في هذه الفترة كانت نتاج مجهود سوداني بحت، وانطلق في فرضيتي هذه من بعض المعلومات الموثقة أوائل التسعينات عن اللوبي السوداني في واشنطن وفرضية ان السودان لم يكن يمثل دولة ذات أولوية قصوى في المنطقة حينذاك.
1- الخطأ الأول: أولى العقوبات على السودان كانت بتأليب من الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق بالاتفاق مع اللوبي المسيحي والافريقي في بداية التسعينات. قبل مجهودات جون قرنق لم تكن تأبه امريكا بالسودان ولا حتى بعد زيارة بن لادن وغيره. بالعكس في أول سنوات الإنقاذ كانت الخارجية الأمريكية ترد بانها تتعامل مع الحكومة السودانية فقط إبان اول محاولات جون قرنق للاتصال مع امريكا في التسعينات.
2- الخطأ الثاني: النظام بالخرطوم بعدم حكمة و برعونة تعمد معاداة امريكا من طرف واحد، فسيّر المظاهرات على السفارات الغربية وقام بتقليل المجهود الدبلوماسي في واشنطن لدرجة غريبة منذ ١٩٨٩ وحتى ١٩٩٣
3- الخطأ الثالث: مجهود وضع السودان في قائمة الإرهاب الأمريكية في عام ١٩٩٣ كان مجهودا سوداني بحتا من قبل المعارضة السودانية آنذاك ممثلة في الحركة الشعبية واخرون. كما لم تقم الحكومة باي مجهود يذكر تلك الايام لمناهضة وضع السودان على القائمة بل كانت تفتخر بذلك.
4- الخطأ الرابع: تأخر متابعة التقاضي حينما تم رفع قضية ضد السودان في الولايات المتحدة الأمريكية من متضرري تفجير المدمرة كول وتفجيري السفارة الأمريكية في نيروبي ودار السلام في ٢٠٠١. أوكل السودان محامي للدفاع في القضية في ٢٠٠٤ أي بعد ٣ سنين من بدأ القضية.
– في العام ١٩٩٦ أجاز الكونغرس الأمريكي قانونا يتيح للضحايا الأمريكيين مقاضاة الدول الراعية للإرهاب امام القضاء الأمريكي و تم تعديله عدة مرات اثر نقاشات حول سيادة الدول و الخوف من تعرض الحكومة الامريكية للمثل في دول أخرى.
– منذ العام ٢٠٠٥ لم يقم السودان بدفع أعباء المحامي الي ان أعتذر المحامي عن المواصلة امام المحكمة في ٢٠٠٩.
– منذ ٢٠٠٩ وحتى ٢٠١٤ لم يقم أي محامي بتمثيل السودان امام المحاكم الأمريكية. شهدت الفترة سفيرين من جنوب السودان وسفيرين من شمال السودان.
– في عام ٢٠١٤ أصدرت المحكمة حكما غيابيا على السودان. وحينها قام السودان بالاستئناف وهي الفترة التي بدأت السفارة في واشنطن مجهودا مشكورا بفريق عمل من كل مؤسسات الدولة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة و هي فترة السفير معاوية عثمان خالد.

5- الخطأ الخامس: في عام ٢٠٠٥ برزت فرصة للسودان لتطبيع العلاقات بالجملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بسذاجة كبيرة لم تستغل الحكومة اتفاقية نيفاشا للتخلص من كل القوانين المجحفة بالسودان حيث اعتمدت على وعود شفاهية من الجانب الأمريكي سرعان ما تنصلوا عنها. أستاذي في فصل العلاقات الأمريكية الأفريقية كان مفاوضا ضمن وفد الحكومة الامريكية وأخبرني باندهاشه لعدم تضمين الخرطوم لشروط ضمان من الولايات المتحدة برفع العقوبات.
6- الخطأ السادس: يكمن في الربط بين المفاوضات للخروج من قائمة الإرهاب (اجراءي) وبين إجراءات التقاضي مع المتضررين الأمريكيين (سياسي). حيث استكمل السودان شروط ازاحته من القائمة لكن الإدارة الأمريكية لا تريد تحمل التكلفة السياسية للقضية وهو أمر كان يمكن حله بمسار تفاوضي اخر ضمن شروط أخري (Alternative track)
7- الخطأ السابع: كان في تعاطي حكومة حمدوك وهي حكومة الثورة مع متطلبات الجانب الاميركي لرفع السودان من قائمة الإرهاب، حيث بدأت الحكومة تنفيذها من طرف واحد بدون اي ضمانات موثقة من الجانب الأمريكي و لا حتى اتفاقية مثل اتفاقية طالبان تلزم الأمريكيين برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بعد حصول التسوية في كل القضايا. اكتفى السودان فقط بوعود القائمين على الأمر من الجانب الأمريكي بأن السودان سيرفع من قائمة الإرهاب حالما تنتهي ملفات التسوية. حسن النية لا يمكن ان يكون عاملا في المفاوضات بين الدول.
توصيات و خلاصات:
1- علينا كسودانيين ان نحسن إدارة شأننا الداخلي بحيث لا يتضرر الشعب بأكمله من سياسات كالعقوبات الشاملة وقوائم الدول الراعية للإرهاب. كما أن علينا دوما الحذر في جلب التدخلات الخارجية التي تأتي وفقا لمصالحها الخاصة.
2- هناك قاعدة في السياسة الأمريكية الخارجية أن العقوبات متى ما فرضت فانه من الصعب رفعها لتعقيد الإجراءات.
3- تجتمع الكثير من مجموعات الضغط لرفع العقوبات لكنها تختفي تماما إذا ارادت الحكومات المستهدفة رفعها. مثلا اختفى اللوبي المسيحي بعد انفصال الجنوب.
– لم نسمع أي دعوات من نشطاء كجورج كلوني لرفع السودان من قائمة الارهاب أو دعم ثورة الشعب السوداني او حتر دعوة منه لرفع السودان من القائمة بعد سقوط نظام البشير.
– لم تقم مجموعات الضغط التي كانت تضغط لفرض عقوبات على السودان بأي حملات لرفع العقوبات من السودان او إزاحة اسمه من قائمة الإرهاب بعد تولى حمدوك لرئاسة وزراء حكومة الثورة.
4- التعامل الأمثل مع الحكومة الأمريكية هو التعامل الشامل (inter-agency) نسبة لطبيعة العلاقات السودانية الأمريكية التي تحتم مشاركة كل أجهزة الدولة من خارجية ودفاع واستخبارات وأجهزة عدلية. وهو التعامل الذي كان سبب رئيسيا في رفع معظم العقوبات عن السودان في ٢٠١٧. كما تبرز ضرورة التعامل مع الكونغرس لضمان علاقات جيدة مع السودان لا تتأثر بالتغييرات الدورية في الرئاسة الأمريكية.
5- أخيرا لا بد من ربط التفاوض بفترات زمنية ومصفوفة اجراءات بالتزام موثق من الجانب الأمريكي.

ياسر زيدان
أبريل ٢٠٢٠، واشنطن