زهير السراج

شيوخ السلاطين !


* يخشى السعودية ولا يخشى على المؤمنين من التهلكة التي امر الله بعدم إلقاء النفس فيها .. يحترم حكومة المملكة العربية السعودية ويفخر بالإجراءات التي اتخذتها بإغلاق المساجد لحماية السعوديين من الكورونا، ويتمرد على الحكومة السودانية التي اتخذت نفس الاجراءات لحماية السودانيين غير مبالِ بتعريض حياتهم للخطر .. يتحجج بازدحام الناس في طوابير الخبز باعتراضه على غلق المساجد كاشفاً عن سوء في الفهم وقصور في التقدير .. سأوضح لكم كيف، ولكن بعد نشر هذا البيان :

* يقول صاحب البيان : ” اجتزأ بعض الإخوة مقطعا من خطبة تحدثتُ فيها عن خصوصية بلادنا وعدم مشابهتها للدول الاخرى في ترتيب اولويات الاجراءات الوقائية من فيروس كورونا حيث ما زال الناس عندنا يزدحمون في طوابير الخبز والوقود وكنت قد ذكرتُ ما توصلنا اليه في مجمع الفقه الإسلامي السوداني من ترتيب الاولويات بمعالجة كافة التجمعات الاخرى قبل اغلاق المساجد.

زعم الناقل إنني اُعرّض بالسعودية، فمعاذ الله ان اعرض بالمملكة السعودية تعريضا او تصريحا، وكنت قد سُئلت عنها سؤالا مباشرا في برنامج تلفزيوني في قناة السودان الرسمية، وذكرت حينها ثقتي في علماء السعودية وتقديري لهم واحترامي للإجراءات التي تقوم بها السلطات هناك.

ان المملكة العربية السعودية هي محل كل تقدير واحترام، وما تقوم به من اجراءات هناك الان لهو مفخرة لكل المسلمين حيث اظهرت حرصا بالغا على صحة الناس دونما تفريق بين مواطن ومقيم . إن تقديري للملكة ليس محل مزايدة ففيها تعلمت، وعلى يد مشايخها الكرام درست، وللجماعة التي انتمى إليها صلات وروابط حكومةً وشعبا، فجزاهم الله عنا وعن المؤمنين كل خير”. (انتهى).

* صدر هذا البيان من الشيخ (محمد الأمين إسماعيل) نائب رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية، إمام مسجد الفتح، عضو مجمع الفقه الإسلامي وهيئة علماء السودان، عميد كلية القرآن الكريم بجامعة افريقيا، وعضو مجلس الإرشاد والتوعية بالإدارة العامة للحج والعمرة ورئيس مجلس إدارة إذاعة وقناة نور الفضائية (حسب صفحته على الفيس بوك) !

* لا اريد الحديث عن آلاف الأدلة الدينية التي تبرر غلق المساجد في هذه الأيام العصيبة، ففيما ما أصدره العلماء من فتاوى مدعمة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وسيرة السلف الصالح ما يكفى لصحة هذا الإجراء (بل وجوبه) لحماية الناس من التهلكة خاصة مع الشراسة الشديدة للوباء وسرعة انتشاره ومخاطره الكبيرة على البشرية بأكملها وليس على مجتمع أو دولة أو منطقة معينة !

* غير أن الشيخ الجليل يعترض على غلق المساجد في السودان ما دام الناس يتزاحمون في طوابير الخبز والوقود بدون ان يكلف نفسه عبء التريث بعض الوقت والتفكير في العلة التي دعت الناس للزحام في المخابز وامتناع الحكومة عن اغلاقها، وهى الازمة الاقتصادية الحادة والندرة، ولو كان الخبز متوفرا وكان بإمكان الناس الحصول عليه بسهولة لما سمحت الحكومة بهذا الزحام!

* كما انه لا توجد مقارنة بين الصلاة التي يمكن اداءها في المنازل عند الضرورة خاصة مع وجود خطر كبير على النفس من أدائها جماعة، وبين الخبز الذى هو اساس الحياة، ولا ادرى كيف لشخص وشيخ جليل بكل الصفات والوظائف المذكورة في صفحته على الفيس بوك والتي يعرفها عنه الناس وباقي الشيوخ الاجلاء الذين استشهد بهم في البيان، لا يدركون الفرق بين الضرورتين .. وأيهما أولى لحياة الإنسان، الطعام ام الصلاة، ولا شك أن الشيخ الجليل يحفظ عن ظهر قلب السورة القرآنية التي ذكرت الطعام كأحد أهم مبررات العبادة .. “فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” .. تأمل هذه الآية أيها الشيخ وستفهم ما رميتُ إليه!

* أما الشيء الذى فات على الشيخ الكريم، هو أن تزاحم الناس على الافران واماكن بيع الخبز أكثر مدعاة لغلق المساجد وليس العكس .. لتخفيف الضرر، خاصة مع جواز إقامة الصلاة في المنازل !

* ثم هل أغلقت السعودية المخابز ومصانع ومحلات بيع الطعام حتى يفتخر الشيخ الجليل بالمملكة حكومةً وشعباً ويتمرد على حكومة السودان، أم أن الولاء للسلاطين لا للدين، وأن الدين يُحرّم موت السعوديين ويُحلل موت السودانيين؟!

زهير السراج
الجريدة