الاعتداء على وزيرة !
* يبدو أن اعتداءات الشرطة المتكررة على الأطباء في المستشفيات ونقاط التفتيش، ليست مجرد تجاوزات فردية أو حالات غضب فجائي معزولة عن بعضها البعض، وإنما عمليات ممنهجة ومخططة ومبرمجة، وإلا لما استمرت وتكاثرت بشكل غير طبيعي، حتى صرنا نسمع عن حادثة وحادثتين كل يوم رغم البيانات التي تصدرها الشرطة بإدانة هذا السلوك وإخضاع المعتدين للتحقيق، والتوجيه المتكرر من السلطات بالسماح للأطباء والكوادر الطبية الاخرى بالحركة، خلال فترة حظر التجوال بعد ابراز الهوية، إلا أن الحالات استمرت واستفحلت بدون أي اعتبار للتوجيهات والبيانات، ولا أدرى ماذا كان يمكن أن يحدث لو لم تكن الشرطة جهازا عسكريا يخضع العاملون فيه إلى الأوامر، فما نراه الآن يجعلنا نتشكك في طبيعة عمل الشرطة، وانضباطها، وانتمائها، أو أن ما يحدث هو عمل ممنهج ومنظم.. وهو التفسير الوحيد الذى يمكن أن نبرر به الاعتداءات السافرة على أشخاص أثناء أداء أعمالهم الرسمية، وفى ظروف حرجة جدا، تستوجب تقديم كافة أنواع المساعدة الممكنة لهم، وليس تعويقهم والاعتداء عليهم بدون أن يجد المعتدي العقاب المناسب ليكون قدوة لغيره!
* بل ان (المسألة) تعدت الأطباء الى الوزراء، حيث نال وزيرة الشباب والرياضة (ولاء البوشي) ما نالها من استفزاز واستجواب وتعطيل عن المرور، بإحدى نقاط التفتيش، ولم تنته الحكاية عند هذا الحد بل لجأ عدد من أفراد الشرطة الى حساباتهم على (الفيس بوك) ومعهم فلول النظام البائد لتقريع الوزيرة والإساءة إليها بعبارات يعاقب عليها القانون ونشر الأكاذيب حول الواقعة رغم التوضيح الذي صدر منها بتوقيفها من أحد رجال الشرطة أثناء أداء مهامها، والتعامل معها بشكل غير لائق، رغم تعريفها بهويتها وصفتها الرسمية وتقديم تصريح المرور والمستندات الرسمية التي تثبت قانونية تظليل العربة، إلا أن الشرطي أصر على نزع التظليل وزاد بالقول (الليلة لو البرهان جه ما حاخليه يمشي وأفك التظليل )، ولم ينقذها منه إلا اتصالها بمجلس الوزراء الذي اتصل بوزير الداخلية وتم التوجيه بالسماح لها بالمرور.. هل يمكن أن يكون هذا تصرف شرطي مع وزيرة اتحادية في جولة فسحة، دعك من أن تكون في مهمة رسمية ؟!
* رغم هذا التوضيح ظل بعض رجال الشرطة يواصلون حملتهم ضد الوزيرة إلى أن اصدرت الشرطة بيانا أوضحت فيه ان: الوزيرة تقدمت بشكوى حول تعرضها لتجاوز من احد منسوبي الشرطة ..إلخ، وحكت الواقعة كما أوردتها الوزيرة، وأكدت أنها ستجد التحقيق وتحقيق العدالة وسيادة حكم القانون وتنفيذ المعالجات الإدارية اللازمة، وجددت التزامها بتقييم وترقية الأداء المهني لأفراد الشرطة”، ولكنني بصراحة ومع تقاعس الشرطة في اتخاذ إجراءات صارمة في كل الحالات السابقة، أشك في التزام الشرطة بما أعلنته وإلا كانت على الأقل أوضحت في البيان أن الشرطي وضع في الإيقاف مع الاعتذار للوزيرة والشعب عن ما حدث، ولكنها لم تفعل ذلك ولم تكلف خاطرها بالاعتذار. لو حدث هذا في أي مكان في العالم الديمقراطي دعك من الانظمة الشمولية الصارمة، لكان الشرطي الآن قابعا في السجن!
* مع كل ما يحدث من أفراد الشرطة في حق الأطباء وغيرهم حتى وصل الأمر الى وزيرة اتحادية، وتجاهل قيادة الشرطة للاعتداءات المتكررة لمنسوبيها على موظفين رسميين أثناء أداء أعمالهم الرسمية، واستمرار الحصانات المطلقة التي منحها النظام البائد للقوات النظامية وسوء استخدامها، فإنني لا استبعد إطلاقا أن يكون الضحية القادم هو رئيس الوزراء الدكتور حمدوك!
زهير السراج
الجريدة