رأي ومقالات

مجازفات مدير المناهج المتطرفة

بسم الله الرحمن الرحيم
مجازفات مدير المناهج المتطرفة
(الجزء الأول)
════════❁══════
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد بن عبد الله، وآله وصحبه، وبعد:
انتقد مدير المركز القومي للمناهج الدكتور عمر القراي، في سلسلة لقاءات وتصريحات المناهج الدراسية الحالية نقدًا شديدًا ولاذعًا، وأكد أنه عازم على تغيير جذري في المناهج، وبالفعل أجرى تغييرات شاملة في منهج الرياض والأساس كمرحلة أولى، وقد تسنى لي الاطلاع على جملة من آراء مدير المناهج، وأفكاره، وأطروحاته، وقمت بتتبع ما اطلعت عليه منها.
✍ وعلقت عليها مُتعقِبًا، وسأنشر تلك التعقيبات تباعًا بعون الله وتأييده، في حلقات متتالية، وهذه هي الحلقة الأولى.
? فأقول وبالله التوفيق:
▪أولًا: لم يكن الرجل منصفًا في نقده، وأظهر للناس أن المناهج الدراسية كلها لا حسن فيها، وتجاهل كثيرا من الخير الذي تضمنته، ومثل هذا الهضم والحيف لا يليق بالعقلاء ، وليس له تفسير سوى تغليب الهوى والبغض الذي سببه الخلاف الفكري والسياسي.
نعم المنهج عليه انتقادات، ويمكن معالجة ما فيه من خلل، مع الإبقاء على النافع، هذه هي الطريقة السليمة التي لا يدفعها الهوى ودافع الانتقام.
▪ثانيًا: المناهج الدراسية أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة، والناس يدفعون بأولادهم وفلذات أكبادهم إلى المؤسسات التعليمية يأتمنون القائمين عليها، ويثقون في أمانتهم، فمن خدعهم أو خانهم في أولادهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
▪ثالثًا: المناهج الدراسية يجب أن تصدر عن مختصين أكفاء أمناء، لا ينحازون في وضع المناهج لحزب سياسي، أو منهج فكري، إنما يُعملِون القواعد الثوابت في مواد التدريس وَفْقَ المنهج الذي يؤدي إلى سلامة العملية التربوية.
▪رابعًا: المناهج الدراسية يجب ألا تخالف ثوابت الدين وقواطعه بوجه من الوجوه، والمجتمع السوداني مجتمع مسلم بنسبةٍ تزيد على ثمان وتسعين بالمائة، فلا يمكن تجاهل هذه النسبة الغالبة لأجل قلة من الأقليات، الذين يمكنهم أن يقيموا مؤسسات خاصة لتعليم أولادهم فيما يخص الجوانب الدينية، تماما كما يفعل المسلمون في الدول غير الإسلامية في الغرب والشرق، ولا يمكن أن تعدل المناهج لأجل الأقليات، خاصة وعامة المواد الدراسية تصلح للمسلمين وغير المسلمين، لأنها معارف عامة لا تختلف باختلاف الأديان.
❓ألا يعلم مدير المناهج أن تعليم الدين المسيحي الكاثوليكي يدخل ضمن المنهج الدراسي في كافة المدارس الحكومية في إيطاليا؟ وأنه يجوز للطوائف الأخرى تعليم أديانها ولكن على نفقتها الخاصة؟
⏪ وفي اليونان الدين المسيحي الأرثوذكسي إلزامي لجميع التلاميذ بغض النظر عن أديانهم أو اعتقاداتهم، ومن لا يريد الالتزام بذلك فعليه مغادرة المدرسة.
? ومثل هذه الدول هي قدوة مدير المناهج، فهم نظروا للدين الغالب فجعلوا عليه المناهج الدراسية، ودكتور القراي يريد العكس، أن يحمل الشعب كله على غير دينه.
▪خامسًا: لا غرابة أن تخضع المناهج الدراسية لمراجعات دورية، مبنية على ما يلاحظه الأساتذة والموجهون التربيون، وبعض ذوي الطلاب والطالبات ممن لديهم اختصاص بالمناهج، فهذا أمر بدهي وعادي والمقصود منه تصحيح الأخطاء، وترقية المناهج، أما التغيير الجذري والمبني على اختلاف المذاهب والأفكار فهذا يجب أن يمنع بقوانين واضحة وصارمة، ولا يترك ألعوبة للمدراء أو الوزراء حسب أهوائهم وميولهم.
▪سادسًا: زعم مدير المناهج أن الشعب السوداني يجب أن يضع المنهج التي يريده لأولاده، وأن لديهم مكتبا مفتوحا يتلقى الآراء والمقترحات من أي سوداني بغض النظر عن منهجه، وطلب من لجان الأحياء أن تنقل له رأي الشعب السوداني في المنهج ماذا يريدون، وماذا لا يريدون، وأن ذلك كله سيحال إلى لجان فنية من كل المؤهلين السودانيين.
❓والسؤال: لماذا لم يعمم هذا النداء؟ وهل هو صادق في ذلك، أم أنه سيرفض ما يقوله الآلاف الذين انتقدوه على منصات التواصل بحجة تصنيفهم؟ وهل سيستوعب مخالفيه وما أكثرهم في تلك اللجان الفنية؟.
▪سابعًا: أكد مدير المناهج أن تغيير المناهج مسألة حتمية لا يمكن أن تترك لرأي (إمام جامع أو نحوه)، وأضاف أن ثورة مات فيها من مات، لا يمكن أن تقتصر على زوال النظام مع بقاء المناهج، وأن المناهج لا بد أن تعكس فكر الثورة (حرية سلام وعدالة) وتنبذ التطرف، وتعبر عن مساواة المواطنين ومساواة الرجل والمرأة، وأن القصص في المنهج لا بد أن تعبر عن القيم التي أظهرها الشعب السوداني في الاعتصام”.
? أقول: مناقشة هذه الفقرة من وجوه:
▫الوجه الأول: قوله إن التغيير حتمي ولا يمكن أن يترك لرأي إمام مسجد إلخ، هذا يناقض تمامًا ما نقلته عنه في الفقرة “سادسا”، أليس أئمة المساجد من الشعب السوداني؟ ولماذا استبعد آراءهم؟ أهي الانتقائية الحزبية والطائفية؟.
أما قال المدير أنه يستقبل آراء الناس أيًّا كانوا ما داموا سودانيين؟ وإذا كان مستعدًا أن يستقبل رأي عوام الشعب فكيف جاز له أن يستبعد آراء أئمة المساجد وخطبائها، هذا تناقض يفضح ما ينطوي عليه ضمير الرجل، وأن التعميم الذي يرمي إليه هو في دائرة معينة.
▪الوجه الثاني: قوله إن المناهج لا بد أن تعكس فكر الثورة وشعاراتها، لنا أن نسأل حضرة المدير، هب أن ثورة أخرى جاءت على خلاف هذه الثورة وشعاراتها، هل تسلك ذات السبيل، وتجعل تغيير المناهج حتميًا، لكي تتوافق مع فكر الثورة الجديدة وشعاراتها، وهكذا يظل أولادنا ضحية لاختلاف الثورات وأفكارها، وتهدر أموال بلادنا في تغيير المناهج وطباعتها، هل هذا يقوله خبير تربوي، ألا يعلم المدير أن العديد من السودانيين يرون أن الثورة قد انحرفت وسُرقت، فأي ثورة تعنيها؟
▪الوجه الثالث: كون المناهج التعليمية يجب أن تنبذ التطرف، هذا أمر مسلم ، ولكن الشأن في تحديد التطرف وتعريفه، إنه مما لا شك فيه أن منهجًا يرى صاحبه، أن العبد يكون ربًّا، وأن القرآن منه ما لا يصلح، وأن الصحابة لم يكونوا مؤمنين، وأن الصلاة والزكاة والحج والصوم كلها منسوخة، لهو منهج في غاية التطرف.
❓ فهل المدير يريد أن يبدلنا تطرفًا إخوانيًا بتطرف جمهوري؟.
▪الوجه الرابع: المدير يريد منهجًا دراسيًا يعبر عن مساواة المواطنين ومساواة الرجل والمرأة.
❓ أهذا منهج دراسي علمي محض، أم أنه منهج قائم على الفكر العلماني الذي يلغي كل الفوارق بين البشر؟
❓ أما قال المدير إنه ضد تسييس المناهج، أليس هذا تسييسًا أن نجعل الأفكار العلمانية المتطرفة منهجًا يدرس لأولادنا؟
❓ما هذا التناقض والتسارع في فرض الأيدلوجيات على المناهج التعليمية تحت مسميات براقة زائفة؟.
▪الوجه الخامس: المدير يريد أن تعبر القصص في المنهج الدراسي عن القيم التي أظهرها الشعب السوداني في الاعتصام!!.
? بمعنى لا يكون معيار القيم والأخلاق هو القرآن والسنة والتراث الإسلامي، ولا تكون القدوة فيها الأنبياء والصحابة وعلماء الأمة والأخيار في تاريخها، وإنما معيار ذلك ما ظهر وطفح في ساحة الاعتصام، وإذا كانت ساحة الاعتصام قد ظهرت فيها بعض قيم التكافل والتراحم ونحو ذلك، فليتذكر حضرة المدير أنها قد ظهرت فيها الخلاعة، والانحلال، والفساد الأخلاقي، والأشعار التي تصدع بعداء الإسلام، وتمجيد العلمانية، وما كولومبيا عنكم ببعيد.
❓ هل هذا ما يريد المدير؟
❓ ولماذا نحيل المناهج إلى تصرفات ثورية وأعمال بشرية عفوية ونترك المعايير العظيمة والمناهج المستقيمة.

*️⃣ يتبع بإذن الله…
✍️ فضيلة الشيخ الدكتور: حسن أحمد حسن الهواري

٦رمضان ١٤٤١هـ، 2020/4/30م