الخريف على الأبواب ..غرقة أم مرقة
يقول السودانيون عندما يخوض أحدهم تجربة بلا تأهيل أو تحضير واستعداد كاف (يا غرقة يا مرقة)، والخريف الآن على الأبواب، بل قد تكون بشائر الرشاش قد رشت على بعض أجزاء البلاد، والخريف فى العموم هو شهر خير وبركة لارتباطه بالزراعة المطرية التي يمارسها حوالي ثمانين بالمائة من سكان البلاد، وفيه قال الشيخ فرح ودتكتوك الذي اشتهر باطلاق تنبؤات لأحداث تقع فى أزمنة لاحقة لزمانه (فى الخريف كتر حشيشك وفي الصيف كتر طشيشك كان ختيت خمارة دريشك المهانة والدناءة ابتعيشك)، وقال أيضا يحض على الزراعة المبكرة (يا إيد البدري قومي بدري، إتوضي بدري، صلي بدري، أزرعي بدري، أحصدي بدري، شوفي كان تنقدري)، وكانت له نبؤة سالبة عن الخرطوم، يقول فيها أن الخرطوم ستشهد يوما ما يا (حرقه..يا غرقه)..
والخريف إذا جاء لا يستأذن أحدا ولا ينتظر غائبا حتى يعود، ولا يؤجل ميقاته حتى يتم تعيين ولاة مدنيين، ولا يعنيه في شئ ان كان بالبلاد مجلس تشريعي أو لا، بل ستوالي الأمطار نزولها غير عابئة ولا مكترثة ببلدية ولا معتمدية ولا ولاية ولا حكومة ولا إمبراطورية حتى، انما الحكومة هي المعنية بالخريف، وحكومتنا إلى اليوم ناقصة التكوين، ومن المتوقع جدا أن يخلق لها خريف هذا العام مشكلة عويصة وتحديدا بالعاصمة إضافة لما تجابهه أصلا من مشاكل وقضايا مستعصية، مع ملاحظة أنها لا تزال في سنتها الأولى تتحسس الميدان وتتلمس طريقها، فمن المتوقع قياسا بخريف العام الماضي هطول أمطار غزيرة أعلى من المعتاد، وتبعا لذلك من المتوقع أيضا أن تتعرض العاصمة الخرطوم جراء هذه الأمطار غير المعتادة لموجات من الغرق، وهذا ما يتطلب قرع جرس الإنذار المبكر والمطالبة باتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر، فليس من المستبعد أن تصدق هذه التوقعات الاستباقية، خاصة وأن خبرة الخرطوم مع الخريف عبر السنين سيئة جدا، فمطرة واحدة تطمبجها وتفيض طرقات محلياتها السبع بالمياه والطين والخبوب والوحل وتنتشر بين الأحياء البرك الآسنة، وتتوفر بذلك البيئة الحاضنة والمفرخة للذباب والهاموش والناموس وغيرها من الحشرات الطائرة والزاحفة، ويزداد الأمر سوءًا على سوئه عندما تتحالف عليهم كورونا مع جيوش البعوض التي عادة ما تبدأ غاراتها تحت جنح الظلام وفي أجواء الكتمة، وما يستتبع ذلك من انتشار للأمراض المرتبطة بسوء الأحوال البيئية وتلك المرتبطة بالمياه Waterborne)�( diseases، مثل الملاريات وغيرها من الحميات والإسهالات المائية والنزلات والالتهابات المعوية الخ، ومع امكاناتنا الصحية الموجهة تماما لحرب كورونا على ضعفها وهشاشتها، سيزداد الحال ولا شك سؤا على سوئه، وحينها إذا حدث ذلك لا قدر الله، فلا يعلم إلا الله ما سيكون عليه الحال..فانتبهوا مبكرا وتحسبوا لأسوأ الافتراضات..و..(فال الله ولا فالي)..
حيدر المكاشفي
الجريدة