زاهر بخيت الفكي

عليكُم بالصبر يا قوم..!!


ذكرت كُتب التاريخ أنّ الخليفة هارون الرشيد عيّن يحى بن خالد البرمكي وزيراً له وقال له “قد قلدتك أمر الرعية ، فاحكم بما ترى، واعزل من رأيت، واستعمل من رأيت، ودفع إليه خاتمه” فسارع البرمكي في تعيين أولاده الثلاثة في مناصب عليا في الدولة، فأصبح بعدها البرامكة هم المُسيّطرون على زُمام القرار السياسي.
انقلب الزمان على هذه الأسرة، فأذلهم الله بعد عز، ووضعهم بعد رفعة، فحدث ما يعرف في التاريخ بـ “نكبة البرامكة”
غضب الرشيد عليهم، فنكّل بهم، وسجنهم، وقتل أحد أولادهم، وصادر كل أموالهم ، وفي غياهب السجن يسأل خالد بن يحيى البرمكي والده : يا أبت بعد العز صرّنا في القيد والحبس ، فقال والده : يا بُنيّ دعوة المظلوم سرت بليل ، غفلنا عنها ، ولم يغفل الله عنها ثم أنشأ يقول:
رُبّ قوم قد غدوا في نعمة زمناً والعيش ريّان غَدق
سكت الدّهر زماناً عنهم . ثمّ أبكاهم دماً حين نطَق
سُنة الله في الكون لمن يتدبّر، أنّ الليل مهما طال سينجلي وتُشرِق شمس الصباح تفضح ما دُفِن في الظلام، وما دُفن في عُقود الظُلمة والظَلمة كان عظيما، ناموا نوماً عميقاً بعد أن شبعوا وارتووا من نعيم السُلطة واطمأنوا لدُنيا دانت لهُم مقاليد الحُكم فيها لسنوات، ونسوا أنّ عين المظلوم أبداً لا تنام ونظره دوماً شاخصٌ للسماء يتضرّع للمولى أن ينصره ويقبل دعوته وما من حجابٍ يحجب دعوة المظلوم، والاستقواء بالسلطة الزائفة يزداد يوماً بعد يوم (الزارعنا غير الله يجي يقلعنا).
بُكاء ونواح لم ينقطع وتهديد يائس بالعودة مرة أخرى إلى مقعدِ حُكمٍ لا يُحق لغيرهم الجُلوس فيه كما يظُنون، يتباكون في محابس وزنازين بائسة مُهينة لكرامة الإنسان لم يوفًروا فيها من قبل سُبل الراحة وفي ظنّهم أنّ أبوابها مُشرعة فقط لمن يُخالفونهم الرأي وموصدة أمامهم، دخلوها وتجرّعوا من نفس الكأس (المُر) الذي ارتوى منه الكثير من أؤلئك الذين دخلوها ظُلماً في عهدهم ولم يجزعوا ويقينهم أنّ ليل الظُلم قصير.
عليكم بالصبر الجميل والبُكاء والردحي لن يُعيد إليكم شيئاً طالته أيادي بعضكم دون وجه حق واسألوا أنفسكم ما دُمتم في خلوة معها عن الغبن الذي سببتُموه لمن صادرتُم من قبل أملاكهم وسلبتُم أموالهم وقطعتُم عليهم سُبل العيش الكريم ماذا فعلوا وكيف كانت أحوالهم وهل عفى من رحل منهم عنكم ووو..؟
والله وحده المُستعان.

زاهر بخيت الفكي
الجريدة