زهير السراج

معركة الوعي !


* من الخطأ أن يكتب الإنسان مقالا عن دراسة علمية صادرة من جامعة كبيرة معروفة بسمعتها الأكاديمية الرنانة مثل جامعة جونز هوبكنز الامريكية التي يعتمد عليها كل العالم الآن كمصدر ومرجع للأرقام الحقيقية والافتراضية لعدد الإصابات وبروتوكولات العلاج لوباء الكورونا، وفيها تجرى بصمت كامل على مدار الأربعة وعشرين ساعة يوميا اختبارات على ما لا يقل عن 80 علاجا ولقاحا للوباء، ومن مركز بحوث مرموق هو الأشهر في العالم في مجال التحليل الديناميكي وتصميم النماذج الرياضية في العالم هو مركز واشنطن للتحليل الديناميكي للأمراض والاقتصادات والسياسات الذي ترتبط به معظم مراكز اتخاذ القرار والجامعات ومراكز البحوث في العالم وتعتمد عليه في مجال التنبؤات العلمية التي لا غنى عنها لأي دولة تسعى للرقي والتقدم والتغلب على الأزمات والكوارث المحتملة بالتخطيط السليم والطرق العلمية، وينشره على الهواء الطلق ليقرأه ويعلق عليه الجميع .. من قرأه وفهم معناه والهدف من ورائه، ومن لم يفهمه ولا يعرف ما هي جامعة جونز هوبكنز وأين توجد وماذا تفعل، وما هي النماذج الرياضية وما الهدف منها، ولماذا تعتمد عليها الدول في التخطيط السليم سعيا وراء التقدم والرقي … ثم يعلق عليه بسهولة شديدة بأي كلام فارغ بدون أن يفهم منه حرفا واحدا رغم الشرح المبسط الذى يمكن أن يفهمه أي شخص بسيط الفهم لو تريث بعض الوقت وحاول أن يفهم ما قرأه قبل أن يتعجل بالتعليق عليه !!

* منذ بداية وباء الكورونا الذي يشن حربا قاسية على العالم لا يعرف أحد كيف ومتى تنتهى، تمكن حتى الآن من القضاء على ثلاثمئة الف شخص وإصابة أكثر من أربعة مليون آخرين إصابتهم مؤكدة، بالإضافة الى 40 مليون غير معروفين، حسب القاعدة العلمية المعروفة في مجال الوبائيات أنه مقابل كل إصابة معروفة، تكون هنالك عشرة إصابات غير معروفة (لأسباب مختلفة منها عدم وجود أعراض أو أعراض خفيفة، أو عدم الخضوع للفحص ..إلخ)، بمعنى أن العدد الحقيقي للمصابين يكون في العادة عشرة اضعاف العدد المعلن، وإذا طبقنا هذه القاعدة على السودان فإن العدد الحقيقي للمصابين يكون حوالى 16 ألف، حسب آخر إحصائية لوزارة الصحة حددت فيها عدد الاصابات المؤكدة بحوالي 1600 شخص وهو ما يؤكد ما ذهبت إليه الدراسة السابقة لكلية طب المناطق الحارة والصحة العامة بجامعة لندن بأن العدد المتوقع للإصابات في السودان سيكون في حدود ( 10 ألف) في حوالي منتصف شهر مايو، بل إن الرقم السوداني تجاوز رقم الدراسة اللندنية ب 6000 شخص، وهى عندما تتحدث عن عدد الإصابات لا تقصد الإصابات المؤكدة فقط، وإنما العدد الكلي للإصابات المعروفة وغير المعروفة، ولقد ثبت ما تنبأت به للأسف الشديد بسبب الاستسهال والسخرية اللتين ظللنا نتعامل بهما مع الوباء وما يأتينا من العلماء!

* نفس السخرية والتعليقات الغبية تواجه الآن أحد أشهر جامعات العالم وهي جامعة جونز هوبكنز الأمريكية التي تنبأت في دراسة مشتركة مع مركز واشنطن للتحليل الديناميكي للأمراض والاقتصادات والسياسات ( CDDEP ) أن يكون عدد الإصابات في السودان في الفترة ما بين شهري يونيو واكتوبر 2020 حوالى 4 مليون اصابة تضم الاصابات المعروفة وغير المعروفة والخفيفة والحادة، بينما قدرت عدد الحالات الحادة بحوالي 40 ألفا، وذلك في دراسة نشرتها في السادس من مايو الجاري عن العدد المتوقع للإصابات في القارة الافريقية في الاربعة اشهر القادمة، بغرض تحذير السلطات الصحية الوطنية والدولية حتى تأخذ حذرها وتتخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي الكارثة وتقليل حجم الضرر باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في التعامل مع الوباء، والاستعداد الكافي بتجهيز المستشفيات وانشاء مستشفيات ومراكز علاجية اضافية وتوفير المعدات والمواد الطبية ومعدات الحماية للأطقم الطبية والمواطنين، وكل ما يمكن أن يؤدى لمواجهة الوباء وتقليل الأضرار ..!!

* عندما تصدر الجامعات ومراكز البحث العلمي والمراكز الأكاديمية المتخصصة مثل هذه الدراسات، فإنها لا تسعى لتحقيق إنجاز علمي بثبوت ما تنبأت به، كما يفهم الأغبياء، ولكن حتى تتنبه الدول والجهات المعنية وتأخذ الاحتياطات اللازمة لكي لا يحدث ما تنبأت به، وليس العكس لتتباهى به، وهو أشبه بتحذير شخص لك بألا تسلك هذا الطريق لأن قاتلا يتربص لك فيه ليقتلك، وذلك حتى تسلك طريقا آخر لكي تنجو بنفسك مع عدم وجود إمكانية لمواجهته أو تبليغ الشرطة لتلقي القبض عليه .. أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت!

* من أهم الدروس التي تعلمتها في حياتي ان معركة الوعي من أصعب المعارك في هذه الدنيا، ولا يقدر عليها إلا ذو عزيمة جبارة .. مشيناها خُطىً كُتبت علينا ** ومن كُتبت عليه خُطىً مشاها !

زهير السراج
الجريدة