الحظر الصحي..من الكسر الى الدشدشة!!
من الجولة التى تيسرت لي أمس وطفت خلالها على بعض مناطق جنوب الخرطوم لشأن يخصني، بدا لي واضحا من المشهد العام في الشوارع والأسواق والمحال التجارية والمطاعم والمقاهي والانتشار الكثيف لبائعات الشاي والباعة الاخرين من كل جنس ولون، أن الحجر الصحي المفروض على البلاد قد تجاوز مرحلة الكسر المعتادة وتعداها الى مرحلة الدشدشة، وبالمناسبة كلمة دشدشة التي نستخدمها عندما ينكسر احد الآنية الزجاجية ويتبعثر الى قطع صغيرة جدا، هي كلمة عربية فصحى وتخريجها (دشدش يدشدش دشدشة فهو مدشدش)، وبهذا المعنى وعطفا على ما شهدته شخصيا وعززته افادات آخرين قادمين من مناطق أخرى بالعاصمة، أن الحجر الصحى صار مدشدشا بعد أن كان مكسورا حتى من قبل قيادات عليا بالدولة، بل يمكننا ان نذهب بالدشدشة التي طالت الحجر الصحي الى مداها فنقول ان الحجر الصحي قد تم رفعه بقرار عملي من المواطنين، فالضجيج والنشاط والحركة الواسعة والكثيفة للسيارات التى ملأت الشوارع وحركة السابلة والمتسوقين بأعداد كبيرة، لا يمكن وصفها بشئ غير أنها قرار غير معلن من المواطنين برفع الحظر، فما شهدته بالامس واكده آخرون يؤكد أن الحياة عادت الى طبيعتها بالخرطوم أو بدقة أكثر فلنقل قريبا جدا مما كان عليه حالها قبل كورونا، فالمواطنون كانوا على سجيتهم وحالتهم الطبيعية (المعتبرة شرعا) وكأن ليست هناك كورونا ولا يحزنون، الغالبية الغالبة منهم بلا كمامات ولا يحرصون على التباعد دعك من ان يحرصوا على غسل اليدين واستخدام المطهرات، غياب تام لأية تدابير احترازية طبية لم تنفك اجهزة الاعلام المختلفة من تنبيه وتذكير المواطنين بضرورة الالتزام بها ولكن لا حياة لمن تنادى، وأيضا كان هناك غياب تام لأي وجود رسمي للتعامل مع هذا الانفلات الكبير ولجمه..
لقد كان واضحا ان الحال سيصل الى هذه المرحلة مرحلة ان يضطر المواطنون ليس لكسر الحظر بل الى دشدشته الى اشلاء كما ذكرنا، فكسر الحظر اصلا كان قائما منذ ايام فرض الحظر الاولى وان كان بنسبة أقل، غير أن الخرق كان يتسع يوما بعد يوم الى ان بلغ الان مستوى ان يتسع الخرق على الراتق، ولعل سبب ذلك يعود الى جملة من العوامل، ابرزها الضيق الذى بلغه الناس بعد توقف اعمالهم ومصادر رزقهم التى يتعيشون منها، ومنها كذلك عدم مقدرة الحكومة للأسباب المعلومة عن توفير الخدمات الحياتية الضرورية للناس في اماكن حجرهم المنزلي، هذا اضافة الى العوامل النفسية من ضجر وملل وغيرها التي يتسبب فيها الحجر والبقاء بالمنازل لمدة طويلة، وربما ايضا يكون لأخبار تقدم دول كثيرة باتجاه رفع الحجر المنزلي عن مواطنيها علاقة ما بتمرد المواطن السوداني على الحجر.. وصفوة القول وخلاصته مما شهدناه امس والمتوقع ان يستمر ويتسع حتى مرحلة التعايش مع الفايروس بقرار شعبي، أن معادلة الحفاظ على صحة المواطنين مع الإبقاء على دوران عجلة الاقتصاد تحتاج الى حل عاجل يوازن بينهما، والا فان الامور ستفلت تماما من يد الحكومة، وان كان لي من اقتراح اقدمه فى هذا الصدد، فاني ارجح العودة لقرار الحجر الاول (من ستة الى ستة) مع توفير كميات مهولة من الكمامات وطرحها باسعار اقل من التكلفة تكون في متناول ابسط مواطن مع تكثيف الوعي بضرورة الالتزام بالموجهات الاحترازية الاخرى..ونسأل الله السلامة للجميع..
الجريدة
حيدر المكاشفي