زهير السراج

لا خير فينا إن لم نقلها !


* قبل حوالى عام من اليوم، وعندما كان البعض يزحم اجهزة الاعلام بظهور كثيف جدا تحت مسمى (قوى اعلان الحرية والتغيير)، وكان كل من هب ودب يظهر على الشاشات بصفة (قيادي) في قوى الحرية والتغيير بدون ان نعرف من هو أو لأى حزب او مجموعة سياسية او مدنية ينتمى، ولم يكن معظمهم ينتمى الا لنفسه او اخترع له تنظيما من العدم يضمه مع نفر من اسرته ليستعرض نضالاته وعضلاته السياسية ودوره في قيام الثورة ويُحلل ويُنظر بحثا عن دور سياسي أو عن منصب ..

* وكانت بعض المجموعات الصغيرة التي تدعى أنها تمثل القوى الضخمة للمهنيين في البلاد وتتصارع منذ الوهلة الاولى لسقوط النظام البائد على مواقع ومناصب وهمية لا وجود لها، وتدمن الظهور على الاجهزة الاعلامية ، وتدّعى البطولات الزائفة وتهيمن مع قلة ممن يطلقون على انفسهم صفة القيادى بقوى الحرية والتغيير على اختيار الأشخاص الذين سيتولون المناصب الدستورية والتنفيذية ..

* عندما كان كل ذلك يحدث.. وقبل تشكيل الحكومة الانتقالية، كتبت مقالا أطلب فيه ترك حرية اختيار التشكيلة الوزارية لرئيس الوزراء بدون التدخل من أحد، وذلك لكسب الوقت الذى كان الكثير منه قد ضاع في الخلافات مع المجلس العسكري، وتفاديا للصراعات والخلافات والمحاصصات بين القوى المختلفة وبين مكوناتها واعضائها في اختيار الشخصيات المطلوبة، بالإضافة الى عدم إلزام رئيس الحكومة بتشكيلة معينة قد لا تنسجم مع رؤيته وأفكاره مما يمكن ان يضعف من قدرته على أداء مهامه بالشكل المطلوب، ويحد من استقلاليته وحريته وسلطته في التعامل مع مرؤوسيه، ويرغمه على الرجوع في كل مرة يحتاج فيها لتغيير احدهم او بعضهم الى الجهة التي اختارتهم، فضلا عن عدم تحديد المسؤولية في حالة الفشل والإخفاق!

* قلت حينذاك في مقال بتاريخ 5 / 8 / 2019 ، إن الطريقة الصحيحة التي ستوفر الكثير من الزمن وتحد من التعقيدات وتتيح الاستقلالية وحرية الحركة لرئيس الحكومة وتعطيه سلطة أكبر على مجلسه وتضع المسؤولية على عاتقه، هي ان يُترك له اختيار طاقمه بدون إلزامه بقائمة مرشحين معينة، مع إلزامه فقط بالمعايير المتفق عليها لاختيار الوزراء، خاصة أننا نتحدث عن فترة انتقالية تسعى لوضع أساس متين لدولة مدنية ديمقراطية ونظام حكم برلماني، يصعب وضعه مع وجود سلطة أعلى ( حاضنة سياسية) تفرض على رئيس الحكومة أعضاء حكومته وتتحكم فيه وتحد من استقلاليته، وتتحمل المسؤولية نيابة عنه!

* كان ذلك ما قلته قبل عام تقريبا، ولكن لان التكالب على السلطة بالإضافة الى ضمان اختيار المقربين والأصدقاء كان هو الهدف، لم يستمع أحد، وفُرضت على رئيس الوزراء تشكيلة متنافرة، يفتقد معظم عناصرها للكفاءة والخبرة المطلوبة، ولا يهمهم غير إرضاء الأشخاص والجهات التي اختارتهم وتنفيذ اوامرهم بدون التقيد برؤية او برنامج موحد يؤدى لتحقيق مهام المرحلة الانتقالية بعيدا عن المصالح والصراعات التي ظلت تستعر من يوم لآخر حتى وصلت درجة تبادل اتهامات التخوين، كما يحدث الآن، بينما تغرق البلاد في دوامة الفشل والازمات المتلاحقة!

* نصيحتي للدكتور حمدوك الذى اعرفه منذ عشرات السنين، واستمعت لرأيه في بعض ما يدور بعد توليه المنصب، وهو وطني مخلص وثوري بطبيعته وإداري محنك، أن يتحرر من كل القيود التي تكبله في الانطلاق بالوطن الى الامام، ولو استدعى الأمر تشكيل الحكومة من جديد بعيدا عن التحالفات والصراعات، خاصة مع إجازة مجلس الأمن للبعثة الأممية للمساعدة في تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، مما يستوجب بيئة خالية من الصراعات والخلافات وحكومة مؤهلة قادرة على قيادة ما تبقى من المرحلة الانتقالية والتعاون مع البعثة الاممية بشكل مثالي، وليتصارع من يعشق الصراع والجري وراء المصالح والمناصب بعيدا عن الحكومة وواجبها المقدس تجاه الوطن والشعب .. وإلا سنظل نتصارع ونتسول ونركض وراء السراب، ولن يتحمل مسؤولية الفشل غيرك يا حمدوك!

* أقولها وانا أدرك حجم المعاناة التي تشعر بها .. ولكن لا خير فينا إن لم نقلها .. ولا سبيل لك سوى التحدي والانطلاق الى الأمام !
الجريدة

زهير السراج