الطاهر ساتي

مبروك : مشروع تنموي عظيم ..!!

مبروك : مشروع تنموي عظيم ..!! ** لأن شر البلية مايضحك ، أو في محاولة لضرب الهم بالفرح ، أنقل طرفة الموقف قبل الحدث والحديث ، وهي على ذمة صديقنا زكريا حامد ، موسوعة الطرائف النوبية ونبعها الذي لا ينضب .. يحكي أن الانقاذ حين أرسلت عبد الله آدم فارس محافظا لوادي حلفا ، ذهب اليها جوا ، وكان قد سبقه الي هناك سائقه الخاص بعربته الخاصة المسماة شعبيا بليلى علوي ، وظلت العربة تتبختر هناك أسبوعا ونيف وسط اعجاب الأهل وسخريتهم اللاذعة .. ذات يوم ، كان عم حسنين أب راس جالسا أمام داره مع رهط المعارف ، وجاءت عربة المحافظ ومرت بجوارهم بسرعة أثارت غبارا كثيفا لم يسلم من آثاره عم حسنين ، فغضب وسأل : العربية دى حقت منو ..؟.. فأجاب أحدهم : ياخى معقول ما بتعرف ليلى علوي حقت المحافظ الجديد ..؟.. فسأل : والله ما شاء الله ، سعرها بيكون كم ياربي ..؟..فأجاب العارف : دي سعرها ما بيكون أقل من عشرين مليون ..وهنا تذكر عم حسنين الثمن الذي باعت به حكومة عبود وادى حلفا ، 15 مليون ، فصاح بغضب : طيب المحافظ ده ، عربيتو الأغلى من حلفا دي جايبها هنا ليه .؟..ولا ناوي يستفزنا بيها كل يوم ..؟؟
** وهكذا الموقف ، ليس ذاك فقط ، بل كل موقف يتناقض فيه أمل المواطن مع نهج السلطة ..تذكرت غضب عم حسنين عندما قرأت خبرا فحواه كالآتي : .. توقيع عقد لبناء مكاتب السلطة الانتقالية لدارفور بمدينة الفاشر .. الطرف الدافع قيمة عقد هو حكومة السودان ممثلة فى السلطة الانتقالية ورئيسها كبير مساعدى رئيس الجمهورية ، والطرف المستلم لتلك القيمة هو شركة الزامل للاستثمار الصناعي ، وقيمة العقد : عشرين مليون دولار .. نعم ، لاتجزع عزيزي النازح ، فقط عشرين مليون دولار لاغير هى تكلفة مباني السلطة الانتقالية بالفاشر ، كما جاء فى حفل توقيع العقد الذي شرفه كبير مساعدى رئيس الجمهورية وبعضمن كبار رجالات الدولة .. نحدثكم عن أهمية المبانى ، أو المشروع المهم ، كما وصفه كبير مساعدى الرئيس ، نتحدث عن أهمية هذه المباني ولكن كما جاءت على ألسنتهم .. يلا ..تحلى بالصبر ، صديقي القارئ ، و أسمع ..المباني التى تكلفتها عشرين مليون دولار تشكل محطة مهمة من محطات تنفيذ اتفاقية سلام دارفور ، ولها معان ترمز للسلام والاستقرارباعتبارها مشروعا تنمويا ، أوهكذا قال أحدهم في لحظة التوقيع ..وقال آخر : مبانى السلطة الانتقالية التى تكلفتها عشرين مليون دولار تعد مشروعا تاريخيا ، ونشكر وزارة المالية وبنك السودان على هذا المشروع التاريخي ، أو هكذا تحدث محمد التيجاني الطيب ، رئيس صندوق دارفور للاعمار و ..(التنمية )..!!
** أها .. هل يكفي حديث السابقين منطقا لاقناع الناس فى الحياة بأهمية هذا المشروع ..؟… طبعا لا .. وعليه ، اليكم المزيد من المنطق ، فاسمع حديث ادم اسماعيل ، الامين العام للسلطة الانتقالية ، حيث يقول : هذه المبانى التى تكلفتها عشرين مليون دولار تعتبر خطوة أولى في طريق اعمار دارفور ، وهناك مشروعات آخرى فى الطريق تكلفتها مائة مليون دولار ..هكذا تحدث ، وأخشى أن تكون المشروعات الاخرى التى تكلفة عقوداتها المرتقبة مائة مليون دولار هي : أثاثات مبانى السلطة الانتقالية وأدواتها المكتبية أومبانى السلطات غير الانتقالية التي تعمل تحت سلطة السلطة الانتقالية ..و ما لم يكن الأمر كذلك ، أي ان كانت المشاريع المرتقبة ذات صلة بالمواطن ومطعمه ومأكله ومشربه وصحته ، فليس من العقل ولا العدل أن تكون تكلفة مبانى السلطة الانتقالية خُمس تكلفة تلك المشاريع (المرتقبة )..ثم ثمة أسئلة نطرحها ، وقد تكون ساذجة ، نعم هى كذلك بفهم النهج السائد ، من شاكلة : لماذا لم تقدم الحكومة زمن توقيع عقودات تلك المشاريع المرتقبة على زمن توقيع عقد (مشروع مبانى السلطة العظيم )..؟..وهل الأهل بدارفور بحاجة عاجلة الي مستشفى ، مدرسة ، طريق ، مصنع ، مزرعة وغيرها من وسائل الحياة الكريمة ،أم هم بحاجة ماسة الي ( مكاتب بعشرين مليون دولار )..؟
** على كل حال ، مبروك العشرين مليون دولار لشركة الزامل للاستثمار (الصناعي !!!)..مبروك ، أو على رأي المثل السوداني : رزقا تكوسو ورزقا يكوسك ..كذلك مبروك للسلطة الانتقالية مشروعها التنموى العظيم ، مع الأماني لها وللعاملين عليها بالمبنى الوريف والماء النظيف والهواء البارد (المكيف لازم يكون فريون ).. أما الأهل بدارفور ، فلهم الله ، ثم الدعاء بالصبر .. فالصبر مفتاح الفرج وليس ..(مكاتب بعشرين مليون دولار )…!!
إليكم – الصحافة الخميس 12/03/2009 .العدد 5641