تحقيقات وتقارير

عودة القوات السودانية باليمن .. المدنيين والعسكر .. من يربح صراع المحاور؟

* استطلاع الجريدة: ٩٤٪ من المُستطلعين طالبوا بضرورة الخروج، بينما ذهب ٦٪ ببقاء القوات في اليمن..

* المنظومة العسكرية من يمتلك قرار سحب القوات السودانية، حتى في حالة تسليم السلطة لحكومة مدنية

*محلل سياسي يمني: السعودية والإمارات سحبت السودان من أجل أهدافها الخاصة، وليس هناك أهداف واضحة للخرطوم..

عودة الجيش السوداني باليمن.. أحد أبرز المطالب التي سجلها الثوار على أرضية اعتصام القيادة والشوارع التي انتظمتها ثورة ديسمبر، خروج السودان من عباءة التكتل الخليجي في أطار بناء الدولة السودانية المستقلة، بعيداً عن التكتلات الأقليمية والدولية، إحدى المطالب التي مازالت عالقة في فضاء الفترة الانتقالية، وبالرغم من انشغال الشارع السوداني الفترة الماضية بالاوضاع الصحية والاقتصادية، إلا أن الأصوات المنادية بعودتها مازالت تتعالى هنا وهناك.. في مارس من عام 2015، أعلنت وزارة الدفاع عن مشاركة الجيش السوداني في “تحالف الحزم” في اليمن، من منطلق المسؤولية الإسلامية لحماية أرض الحرمين الشريفين والدين والعقيدة، استمرار وجود القوات بالرغم من زوال النظام، مازال يثير كثير من التساؤلات، وتصريحات المؤسسة العسكرية التي ذهبت في ذات اتجاه التبريرات الدينية وحماية مكتسبات الأمة الاسلامية، ومنذ ذلك الوقت ظلت القوات السودانية المكوّنة من الأركان البرية والبحرية والجوية، تقاتل في صفوف التحالف بقيادة السعودية في اليمن، حتى بلغ عددها 30 ألف جندي، طبقاً لتصريحات صحافية سابقة لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). عبر صفحتها بـ(الفيسبوك) طرحت (الجريدة) استطلاعا حول تأييد الخروج الفوري للقوات السودانية من اليمن.. حيث قال ٩٤٪ من المُستطلعين بضرورة الخروج، بينما ذهب ٦٪ لبقاء القوات في اليمن..

تقليص القوات

في يناير الماضي، أعلن الجيش السوداني تقليص قواته الموجودة في اليمن من خمسة آلاف إلى 657 جنديا. وقال الناطق باسم قوات الدعم السريع العميد جمال جمعة آدم إن مجموعة بسيطة تبقت من القوات السودانية في اليمن، وهي آخر قوة موجودة هناك وتمثل 657 فردا. وأضاف: حتى رئاسة القوات السودانية رجعت إلى (العاصمة) الخرطوم، مشيرا إلى أن قوات بلاده كانت لديها مهام دفاعية ضمن قوات التحالف السعودي الإماراتي هناك. وأوضح أن القوات السودانية الموجودة في اليمن كانت تعمل ضمن قطاعين، قطاع الإمارات داخل عدن (جنوب)، والقطاع السعودي الذي يمتد من الحدود السعودية اليمنية، في حين ظلت القوات السودانية في الجبهات الدفاعية تعمل مع قوات التحالف. يشار إلى أن السودان يشارك في حرب اليمن التي يقودها التحالف السعودي الإماراتي منذ مارس 2015، وقد أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في ديسمبر الماضي أن عدد القوات السودانية العاملة وقتها هو خمسة آلاف. وفي تصريحات صحفية سابقة عقب عودته من واشنطن، قال حمدوك إن بلاده بدأت سحب قواتها من اليمن تدريجيا، وكشف أن العدد تقلص من 15 ألف جندي إلى 5 آلاف جندي.

انتقادات

المحلل السياسي اليمني ناصر العمري، في حديثه لـ”الخليج أونلاين” ذهب إلى إن السعودية والإمارات سحبت معها السودان إلى وحل المستنقع اليمني، من أجل أهدافها الخاصة، في الوقت الذي ليس هناك أهداف واضحة للخرطوم. مضيفأ أن البشير أدخل السودان في مستنقع حرب اليمن، وتسبب في خسارة عناصر الجيش وورطه في صراعات وتوترات وتصفية حسابات ليس له دور فيها، سوى الاستفادة من أموال الحرب هو وأعوانه. والسودانيين لم يجنوا من تلك الحرب سوى خلق عداوة دائمة مع الشعب اليمني، وضياع أرواح جنود سودانيين وضياع سمعتهم وتصنيفهم كمرتزقة.

أمن المملكة

تصريحات المجلس العسكري حول بقاء القوات السودانية في اليمن ذهبت وقتها تأكيداً على تصريحات عسكرية سابقة، حيث صرح ضباط سودانيون قبل سقوط النظام وبعد انتشار أنباء عن نية الحكومة لسحب قواتها من اليمن، صرحوا بعزم الحكومة على إبقاء القوات السودانية للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين باليمن، وأكدوا على أن القوات تسعى لحفظ أمن المملكة الذي قالوا إنه من أمن السودان، وهو ذاته الحديث الذي ساقه البشير قبيل سقوطه، الأمر الذي واجه رفضاً كبيراً من نشطاء سودانيين بمواقع التواصل الاجتماعي، وفعَّلوا حملة لجلاء القوات السودانية من اليمن تحت هاشتاق: اليمن ليست حربنا.

امتداد النظام السابق

ويرى مراقبون أن استمرار القوات السودانية في اليمن يثير الشكوك حول أن قيادات الجيش، تمثل امتداداً لحكم الرئيس المخلوع عمر البشير، واستدلوا بعدم إلغاء كل الاتفاقيات السياسية والتجارية والاستثمارية التي وقعها النظام، وتأكيده على التزامه بها، وعلى رأسها بقاء القوات السودانية في اليمن، واستنكروا اشتراط السعودية لتقديم الدعم المادي وإنشاء الاستثمارات مقابل مد الحرب السعودية الإماراتية بالجنود السودانيين، وشجبوا أن يكون الدعم السعودي الإماراتي، لضمان استمرار مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن، فضلا عن احتواء المجلس العسكري وجره إلى محور الامارات والسعودية، وكسب اصطفافه إلى جانب الموقف المصري في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي ورجحوا أن حلف الرياض وأبوظبي قد ضمن ما سعى إليه، بتأكيد العسكر على بقاء القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن إلى حين استكمال أهداف التحالف السعودي الإماراتي هناك، وأشاروا إلى أن العسكر يسير بنفس طريقة النظام البائد برهنه لموارد البلاد وثرواتها، وحذروا من سياسة المحاور أو أن تكون المساعدات هي الجزرة للوقوع في محور السعودية والإمارت ومصر. وتزامنت هذه التعليقات مع دعوة المجلس العربي للدفاع عن الثورات الديمقراطية لقوى الحرية للضغط من أجل سحب القوات السودانية المشاركة في الحرب الإماراتية السعودية التي وصفها بالعبثية وقال إنها ضد استقرار ووحدة اليمن الشقيق وإنها ليست حرب الشعب السوداني وتسيء إلى علاقة الشعبين الشقيقين، وأشار المجلس الذي يترأسه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي إلى أن دعوته لسحب القوات السودانية من اليمن تأتي انسجاما مع قيم الثورة السودانية التي لا يليق بها أن تواصل التعامل مع محور الشر.

علاقات ومخاطر

وطالب المحلل السياسي والاقتصادي الأستاذ ناصر السّر بسحب القوات السودانية من اليمن، مهدداً بوجود مخاطر على البلاد في حال بقاء القوات باليمن، وشرح أن القوات السودانية هي القوات البرية الوحيدة الموجودة في اليمن، موضحا أن الجيش المصري رفض التدخل العسكري المباشر رغم أن مصر جزء من التحالف وأن الإمارات سحبت قواتها مؤخراً من اليمن، ولم يستبعد هجوم الحوثيين على السودان كرد فعل طبيعي للتعدي عليهم، وأكد أن علاقة الشعبين السوداني واليمني علاقة لا تشوبها عداوة، مشيراً إلى التداخل التأريخي بين الشعبين، وحذر من تدهور العلاقة وانتشار الغبائن نتيجة للخسائر في الأرواح وتدمير البنى التحتية في اليمن. ولفت ناصر إلى أن السودان عبر تأريخه أدى دوراً محايداً في الصراعات في المنطقة العربية، الأمر الذي سمح له بشغل دور إيجابي في كل تلك الصراعات، وعن الصراع الحالي قال إنه صراع محاور بين السعودية وإيران ولا يخص السودان في شيء، مؤكداً أن دولة اليمن لا تهدد مصالحنا وليس لدينا عداوة معها.

قرار فردي

وانتقدت أستاذة العلاقات الدولية الدكتورة تماضر الطيب في تصريحات لـ(الجريدة) قرار التيار العسكري باستبقاء القوات السودانية في اليمن، لافتة إلى أن القرار اتخذه الرئيس المخلوع عمر البشير دون الرجوع للبرلمان وسط رفض شعبي ودولي، مبينّةً أن القرار جاء كردة فعل على المطالبات بحكومة مدنية، الأمر الذي سيضر بمصالح قيادات الجيش باعتباره جزءا من تركيبة النظام المقبور. وقالت تماضر إن الحرب في اليمن لا تعود بمصالح للسودان بل تقحمه في مشكلات في غنى عنها، وأشارت إلى أن قرار انتداب قوات للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين يخدم مصالح فئات معينة، وأوضحت أن المجلس العسكري أثناء تفاوضه مع قوى الحرية والتغيير في بداية الثورة، بدأ متخوفاً من قرار سحب القوات من اليمن، وأن تأكيده للقرار جاء تنويهاً لقوى الحرية والتغيير ببقاء قرار سحب القوات السودانية بيد الجيش لا المدنيين، حتى في حالة تسليم السلطة لحكومة مدنية. وأضافت تماضر أن مشاركة السودان في حرب لا جدوى منها وتؤدي إلى فقدان أرواح من أبناء الوطن مقابل حفنة من النقود، ووصفت القرار بغير الحكيم، ونبهت إلى المخاطر المتمثلة في إقحام البلاد بمشكلات لا تخصنا ولا تعود لنا بأي مصلحة تذكر.

صحيفة الجريدة