جعفر عباس

عاميتنا وفصاحة بعض مفرداتها


مفردات كثيرة في عاميتنا فصيحة: فنجد أن “زح / يزح” بمعني ابتعد يبتعد، واردة في القران الكريم “وما هو بمزحزحه من العذاب ان يعمر”، وحول بمعنى عام: “الوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين …..” ويغرف الماء ويقول تعالى “الا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه الا قليلا “، ونقول للشيء فاقع اللون.

ويقول تعالى “بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين” ونقول فلان أغلف/ غلفاء، اي لم يختتن، ، ولسانه أغلف أي عجمي (مثل ابي الجعافر العامل فيها فصيح في هذه السلسلة من المقالات)، قال تعالي: “وقالوا قلوبنا غلف” وكل شيء في غلاف فهو أغلف، ووصف الشخص بأنه “ممحوق”، وعندك قوله قال تعالي “يمحق الله الربا ويربي الصدقات”/ وفلان شعره منفوش، وقال تعالي ” كالعهن المنفوش “، ونقول فلان نبزني اي شتمني، وقال تعالي “لا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان”، ونعرف جميعا أن الحَجَّاز ليهو عكاز، والحجَّاز من يقوم بالفصل بين متشاجرين أو متقاتلين او متشاكلين ونجد في القرآن الكريم: “فما منكم من أحد عنه حاجزين”.

ثم استلفنا من الاتراك كوبري ودغري ودندرمه وبرنجي (تعني الأول)، وعندك أجزخانة وأورنيك وأفندي وأوضة وباشكاتب وأراجوز وبالطو، وحتى عهد قريب كانت تقسيمات ورتب الجيش السوداني في معظمها تركية: أورطة (فرقة من الجنود) وأمباشي ويوزبارشي وقائمقام وأميرألاي، وفي الشرطة حكمدار، ومن المفردات الإفرنجية التي صارت جزءا من قاموس العامية السودانية، مع بعض او الكثير من التحوير: ورنيش varnish، وفي السيارات شاسي ولديتر وكاربوريتر وجربوكس (التعشيقة) ومكرفون واستاد وبلوزة، وكانت الكلمة السائدة لدورة المياه هي الأدبخانة، وهي تركية تعني “بيت الأدب” ثم صارت الكلمة “بلدية”، وجعلناها دبليو سي وهي تعني بالتحديد دورة مياه لأنها اختصار لwater closet
وبعض ساكني المدن يعتبرون بعض الكلمات التي ترد على ألسنة أهل البوادي والأرياف والأطراف “بلدية”، ومنها مثلا “قلَّ” بمعنى يرفع ويحمل، وهناك الدعاء “يا الله أديها قلَّة” أي ارفع عنا ظروف الشدة، ويقول تعالى “وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحابا”، وهناك “يلقف” بمعنى يتناول او يلتقط الشيء بسرعة باللسان أو اليد “لقف الكلام من خشمي”، وعصا موسى عليه السلام لقفت “ما يأفكون”، ومذبذب بمعنى لا يثبت على موقف أو راي فصيحة جدا، وسرح في عامية المدن تعني فقط “التوهان والشرود الذهني/ السرحان”، وهذا من معانيها الفصيحة الصحيحة، ولكن ابن المدن لن يفهم قرويا يقول إنه سرح بالبهائم، في حين أنها فصيحة، وماعون بمعنى وعاء أيضا فصيحة.

ويستغرب العرب، من قول السودانيين بحر أبيض وبحر ارزق، بل إطلاق كلمة بحر على كل نهر يجري في السودان، في حين إن القران الكريم يستخدم كلمة بحر بمعنى نهر في سورة فاطر “وما يستوي البحران، هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج “، ولا أعرف غيرنا من الناطقين بالعربية يسمى الثقب والشق “قد”، ونقول قربة مقدودة، وسورة يوسف تتحدث عما إذا كان قميص يوسف عليه السلام مقدودا من قُبُلٍ أو دُبُرٍ.

أما مفردات العامية السودانية التي فشل حتى السيد قوقل في تعريفي بأصلها وفصلها فهي – على سبيل المثال: أجي، و”زعمطة” لقصة الشعر المبشتنة وبشتنه نفسها كلمة عجيبة، وعندنا حمبك يحمبك حمبكة، عن عدم قبول الأمر، وتعجبني كثيرا كلمة الجهجهة لأن لفظها ينُمُّ عن التوهان وفقدان القدرة على التمييز، ومن التعابير العامية البليغة قولهم فلان أو الشيء دا “جهجه باكاتنا”، والباك هو المدافع في كرة القدم، المكلف بحماية المرمى من الإصابات، وجهجه الباكات بالتالي تعني تعرض المتكلم لموقف صعب لا يعرف كيف يصمد إزاءه.

و أخذنا من اللغة اليابانية: ارحكاكا/ وانت ماكا ياكا/ وتاكي الباب متاكا، وأنا ماني ياني؟ فتعالوا واعرضوا ما عندكم من مفردات عاميتنا فصيحة كانت ام مستوردة ام مفبركة.

جعفر عباس

الراكوبة