حيدر المكاشفي

آفة الأخبار.. مصادرها أيضاً


العبارة الشائعة التي جرت مثلا (وما آفة الأخبار الا رواتها)، هي في الاصل بيت شعر شهير للشاعر الاشهر الشريف الرضي يقول فيه (وهم نقلوا عني الذي لم أفه به و ما آفة الأخبار إلا رواتها)، ويبدو جلياً من معنى هذا البيت ان الشاعر تضرر وتأذى جداً من قول نسب اليه لم يقله أو تم تحريفه أو تلوينه بلغة الصحافة.
ويقابل مؤدي هذا البيت عندنا هنا في السودان عبارة شعبية شائعة في وصف الأحاديث والروايات والمعلومات غير الصحيحة أو غير المقنعة (ربما تكون المعلومة صحيحة ولكنها مستبعدة أو عصية على التصديق)، وهي عبارة (كلام جرايد) التي تم تحويرها الآن بعد سطوة النيوميديا في وصف مثل هذه الاخبار الكذوبة والمضروبة الى (كلام واتساب)، غير أن هناك عبارة شعبية أخرى تقال في هذا السياق ولكنها غير شائعة مثل (كلام جرايد) وهي عبارة (خديجة وصافة).
وقد مضى علي شخصياً زمن طويل لم أسمع فيه هذه العبارة منذ ان صفعتني بها جارة لنا قبل سنوات متطاولة حين علمت باختياري لتخصص الصحافة في الدراسة الجامعية (يعني داير تبقى خديجة وصافة)، كان ذلك قبل مدة قصيرة عندما التقاني بعد غيبة مصادفة في شارع الله أكبر واحد من عواجيز المعارف فصاح فيني بترحاب كبير (وييييين يا ناس خديجة وصافة)، وبالطبع لم أغضب منه بل سررت لتذكيره لي بهذه العبارة الشعبية غير المطروقة..
ولكن هل رواة الاخبار وحدهم هم آفتها، بالطبع لا فمصادر الأخبار أيضاً يمكن ان يكونوا من الآفات، خذ عندك مثلاً خبر وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة الذي جاء فيه خلال لقائها بالمدير العام لشركة مطابع السودان للعملة، انها وجهت بزيادة الطاقة الانتاجية لشركة مطابع السودان للعملة المحدودة وتشغيل المطابع بكامل طاقتها الانتاجية.. ولأن الوزيرة لم تكشف ابتداء عن سبب لقائها بمدير المطابع ولماذا طالبت بتشغيل المطابع بكامل طاقتها، فقد فتح عليها هذا التصريح عاصفة من النقد، واعتبر الكثيرون ان توجيهها هذا يجئ في اطار التمهيد لطباعة كميات مهولة من العملة، بما يعيد للأذهان نظرية ( رب رب رب) في العهد البائد لصاحبها الفاتح عزالدين الذي قال لا فض فوه في معرض استعراضه لحلولهم المعيبة لحل كشكول الأزمات التي اطبقت خناقها على البلاد، (موضوع النقود ده نحن حنرجعه لبنك السودان ووزارة المالية..وتاني ما في زول بتحكم فيه..حنطبع ونعلي السقف..طباعة لمية سنة، مكنا حيدور رب رب رب وما بقيف)..وبسبب حديث الوزيرة ذهبت ظنون الناس الى ان الهدف هو طباعة الكثير من البنكنوت لمقابلة تغطية خازوق المرتبات الجديدة، مما يزيد من ارتفاع معدلات التضخم على ماهي عليه من ارتفاع غير مسبوق، وعيران الاسعار على ماهي عليه من انفلات..صحيح ان لمطابع العملة خطوط انتاج أخرى غير طباعة العملة يمكن ان تدر للخزينة العامة دخلاً هي في أمس الحاجة اليه ويمكن ان يكون مبرراً لتشغيلها بأقصى طاقتها، ولكن اغفال الوزيرة لحساسية موضوع طباعة العملة، وعدم اشارتها الى ان القصد من حديثها لا علاقة له بطباعة العملة وانما خطوط الانتاج الأخرى، هو ما جعل من تصريحها آفة وجب عليها استدراكه بتوضيح عاجل والا……
الجريدة

حيدر المكاشفي