تحقيقات وتقارير

خطر وجودي يهدد الصحف


أجبرت الظروف الاقتصادية الحالية، وسط الإجراءات الاحترازية المفروضة لمنع تفشي فيروس كورونا الجديد، معظم الصحف الورقية في السودان على التوقف عن الصدور، مما ينذر بمستقبل مظلم لمهنة الصحافة في البلاد.

الصحف كلها توقفت عن الصدور في 19 إبريل الماضي، بعد ما فرضت السلطات حظراً شاملاً في البلاد، في محاولة للحدّ من تفشي وباء “كوفيد ــ 19” الذي يسببه فيروس كورونا، فحظرت التجول في ولاية الخرطوم وعدد من المدن الكبرى، كما منعت التنقل بين الولايات، مما أدى إلى توقف المطابع ودور التوزيع، واضطرت بعض الصحف إلى تحويل نسخها الورقية إلى إلكترونية تماشياً مع هذه الظروف.

وكانت تصدر في البلاد 25 صحيفة ورقية، منها 17 صحيفة سياسية يومية، وواحدة اجتماعية و7 صحف رياضية. وعقب إصدار السلطات قراراتها بتخفيف القيود الصحية مطلع يوليو الحالي، لم تتمكن سوى 4 صحف سياسية من العودة إلى المكتبات، وهي “السوداني” و”الانتباهة” و”الصيحة” و”التيار”، ثم لحقت بها 6 صحف، بينما لا يزال نصف العدد الكلي يتخبط في مصاعب وعقبات تمنع إصداره.

وتتلخص تلك العقبات بداية في زيادة كلفة الطباعة، ومن بينها أسعار الورق إذ تشتري الصحف الطن الواحد بنحو 850 دولارا أميركيا، بينما لا تستطيع توفير العملة الأجنبية إلا عبر سوق العملات الموازية، حيث وصلت قيمته إلى نحو 150 جنيها بعد أن كان في حدود مائة جنيه. كما تضاعفت تكاليف العملية الإنتاجية إلى أكثر من 400 في المائة، بما يشمل مصاريف التسيير اليومية، وتحديداً التنقل في ظل أزمة طاحنة في المشتقات البترولية. كما ساهم توقف المطابع في رفع الكلفة، هذا غير سيطرة مؤسستي الجيش والأمن على المطبعتين الأهم في البلاد.

ارتفاع أسعار الورق المستورد وقيمة الدولار في السوق الموازية من أبرز عقبات إصدار الصحف

وقال المدير العام لـ”شركة السوداني للطباعة والنشر”، حاتم عبد الغفار، لـ”العربي الجديد” إن توقف الصحف لأكثر من شهرين بسبب كورونا دفع القراء إلى استبدالها بالمواقع الإلكترونية، منوهاً إلى أن زيادة سعر النسخة الورقية التي تباع للقراء، من 15 إلى 25 جنيهاً، ساهم أيضاً في انخفاض نسبة التوزيع لا سيما وسط الظروف المعيشية الآنية للمواطنين. وأضاف أن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة خلال اليوم، ولجوء الصحف إلى المولدات الكهربائية التي تعمل بالغازولين، ضاعف كلفة الإنتاج. وأشار عبد الغفار إلى أن الصحافة الورقية في خطر حقيقي، منوها إلى ضرورة زيادة قنوات التوزيع وإعطاء الفرصة للصحف لشراء الدولار بسعره الرسمي من المصارف حيث حُدد بنحو 50 جنيهاً.

الأمين العام السابق لـ”مجلس الصحافة والمطبوعات”، عبد العظيم عوض، اعتبر أن الأزمة الحالية للصحف جزء من أزمة كلية للاقتصاد ألقت بظلالها على كل القطاعات، متأملاً أنه رغم كل الظروف ستظل الصحافة الورقية صامدة ومؤثرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. ورأى عوض أن الكرة الآن في ملعب الحكومة لكي تدعم وتنقذ الصحف الورقية، وذلك بإعفائها من الضرائب والرسوم التي تراكمت حالياً على بعض الصحف لدرجة أنها زجت ببعض الملّاك والناشرين في السجون، كما اقترح إنهاء احتكار استيراد الورق بإنشاء محفظة مصرفية بمساهمة من البنوك والناشرين والدولة من غير أرباح.

مدير “مركز الخرطوم للخدمات الصحافية”، أحمد الشيخ رئيس، قال لـ”العربي الجديد” إن هيئات تحرير الصحف تحتاج إلى تغيير سياستها التحريرية، بما يضمن امتلاكها المطلق لثقة القارئ السوداني، وتطوير المحتوى بتجاوز الاهتمام بالأخبار التي صارت متاحة للجميع. وأشار إلى أن الصحافة تواجه خطر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الترياق لذلك هو التغيير في عقلية الصحافيين وطريقة عملهم وفهمهم رءلمهنتهم، مبيناً أن الإحجام الحالي عن شراء الصحف مرده للزيادة الكبيرة في أسعار النسخ.

في المقابل، شدد رئيس تحرير صحيفة “حكايات”، وجدي الكردي، على صمود الصحافة الورقية السودانية، موضحاً لـ”العربي الجديد” أن “القارئ السوداني يعطي الصحافة الورقية ثقة أكبر مقارنة بالصحافة الإلكترونية التي لم تثبت أقدامها بعد في البلاد”، ومشيراً إلى “أن عدداً ليس بالقليل من القراء السودانيين تنتشر بينهم الأمية التقنية، وعدداً آخر لا يمتلك هواتف ذكية، ما يمنح فرصا للصحافة للاستمرار”. ويؤيد الكردي مقترح أمين عام “مجلس الصحافة” عبد العظيم عوض، بإنشاء محفظة بواسطة الدولة و لحلحلة مشكلة استيراد الورق نهائياً كواحد من أهم مشكلات القطاع في الوقت الراهن.

الخرطوم: عبد الحميد عوض
صحيفة السوداني