زهير السراج

عورة القصر الجمهوري !


* اصدرت إدارة الاعلام بالقصر الجمهوري بيانا حول قضية أو (فضيحة) الصفقة التي أُبرمت مع إحدى الشركات لشراء عربات جديدة لاستخدام القصر الجمهوري بقيمة 283 مليار جنيه سوداني، احتوى على قرار مجلس السيادة بإلغاء الصفقة بعد الغضب الذي اثارته في اوساط الرأي العام، وحمل بعض المتناقضات المضحكة التي لا بد من التطرق إليها والتعليق عليها حتى لا يظن من يدير اعلام القصر أنه ذكي، يستطيع أن يتلاعب بأدمغتنا كما يشاء ويملأها بما يريد من الغرائب والعجائب والأكاذيب في الوقت الذى يريد وبالطريقة التي يريد، وكأننا قطيع من البهائم لا نفهم شيئا !
* جاء في مقدمة البيان، أنه كان واضحا ان الخبر الذى نشرته إحدى الصحف عن الصفقة سيجد ردود فعل كبيرة جدا لعدة اسباب، اولها الحساسية الفائقة للشارع السوداني تجاه قضايا الفساد، والثاني يتعلق بأوجه الصرف الحكومي تحت ظل الظروف الاقتصادية الحرجة التي تعيشها البلاد، (بما يعنى ان أصحاب البيان كانوا يدركون سلفا أن الصفقة سيكون لها رد فعل كبير في الشارع)، أما السبب الثالث فيتعلق بتوقيت نشر الخبر بالتزامن مع عطلة العيد الامر الذي يجعل الرد بشكل دقيق صعباً، نسبة لتوزع المسؤولية على عدد من الجهات التي يتطلب التواصل معها الحصول على الوثائق ووجود الموظفين في دوام رسمي!
* وبعد المقدمة، يُحمّل البيان مسؤولية الصفقة للأمانة العامة لمجلس السيادة ووزارة المالية، ويبرئ أعضاء مجلس السيادة منها، قائلا ان (اعضاء المجلس لا يناقشون عطاءات شراء السيارات و شراء الحاجيات اليومية للقصر)، ويضيف (بانه نظرا لأهمية القضية وحساسيتها استفسر اعضاء المجلس عن الصفقة في اول يوم عمل بعد انتهاء العطلة، وقرروا بعد الإلمام بتفاصيلها إلغاءها تقديرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانى منها البلاد رغم تأكيد خطابات الأمين العام للمجلس على سلامة موقفه المالي والإداري منها)!
* كان ذلك ملخص البيان الذي بدلاً من تبرئة أعضاء مجلس السيادة، أو (مجلس السيادة) من التهمة فانه أثبتها عليهم، ولكن دعونا أولا نتحدث عن الهضربة التي احتوت عليها مقدمة البيان التي جاء فيها ان الصفقة ستحدث ردود فعل كبيرة لان الشارع لم يعد يطيق قضايا الفساد، بالإضافة الى الظروف الاقتصادية الحرجة التي تعيشها البلاد!
* ونتساءل، إذا كان المجلس السيادي أو الجهة أو الشخص الذى يتحمل مسؤولية الصفقة يعلم تمام العلم أن الصفقة سيكون لها ردود فعل كبيرة ولن تكون مقبولة لدى الشارع لحساسيته تجاه قضايا الفساد، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، فلماذا أُبرمت الصفقة في الاصل، أم انهم افترضوا انها ستمر بدون أن يعرفها أحد أو لن تثير غضب أحد فقاموا بإبرامها، وعندما اثارت الغضب تراجعوا عنها!
* نأتي الآن لصاحب المسؤولية عن الصفقة التي برأ فيها البيان اعضاء المجلس السيادي وألقى بالمسؤولية كاملة على الأمين العام للمجلس، وحاول التلاعب في ذلك بالألفاظ والعبارات عندما ذكر أن عطاء شراء العربات واحتياجات المجلس ليس من مهام أعضاء المجلس، وإنما الأمانة العامة للمجلس، وهو امر معروف بالضرورة، ولكنه تغافل عن ذكر الجهة التي اتخذت قرار الشراء وهو الامر الذي اثار غضب الشارع وليس الجهة التي تتولى مناقشة وفرز العطاءات، ولا يمكن لاحد أن يقنعنا ان صفقة تبلغ قيمتها 283 مليار جنيه (جديد) وتحت ظروف اقتصادية حرجة جدا، يمكن أن تحدث بدون موافقة أعضاء المجلس أو على الأقل رئيس المجلس، أما المسائل الفنية الأخرى مثل مناقشة وفرز العطاءات، فنتفق تماما مع البيان إنها ليست مسؤولية رئيس أو اعضاء المجلس!
* جاء في مقدمة البيان، أنه كان معروفا أن نشر خبر الصفقة سيثير ردود فعل كبيرة لحساسية الشارع تجاه قضايا الفساد، وهو إقرار واعتراف بفساد الصفقة، ولكنه يؤكد في نفس الوقت سلامة الموقف الإداري والمالي من خطابات الامين العام للمجلس، فكيف يستقيم ان يتحدث البيان عن فساد ثم ينفيه في الوقت نفسه، وإذا كانت الصفقة مبرأة من العيوب، فلماذا لم يذكر البيان الإجراءات التي صاحبت الصفقة حتى نتيقن من سلامتها؟!
* ألا يشبه هذا البيان الغريب أو مَن اصدره، الشخص الذى كان يعلم أن خروجه الى الشارع عاريا سيثير عليه غضب الناس، ولكنه غامر بالخروج معتمدا على احتمال ألا يراه احد، وعندما رآه كل الناس وسخروا عليه وغضبوا منه قال لهم (أنا كنت عارفكم حتزعلوا منى لو طلعت عريان)، ثم ارتدى ملابسه ليستر عورته .. ولكن بعد أن رآه الكل عاريا وعرف خبث نواياه ومقاصده!
الجريدة

زهير السراج