رأي ومقالات

المطلوب هو قيام بيوت إستراتيحية سودانية، تتسع لتشمل أفريقيا


كتب الي الأديب الناظم و الصحفي المحدث و العربي الفصيح (سيف أحمد ) رسالة في غاية البداعة حتى أننى أجرؤ على القول ( لم تكتب رسالة قط مثلها ) كيف لا و هو جليس العلامة عبدالله الطيب و مقتفي أثره و منهجه .. و هي رسالة طويلة لا يقدر عليها الا أهل الصبر و الذهن المتفتح ..
العزيز عبد الرحمن ..
كنت أزمعت إتباع القول بالفعل بعيد قناعةٍ مبرمةٍ بأن ما سطرته ذات يوم ليس محض خطرفة شاعريةٍ ذات استرخاء مترف بالمحسنات على مناضد النرجيلة .
برهةٌ أثبتت أن برقها ليس خُلَّباً ولا سحائبها جهام وكتبت :
في هوجة أقزام الزمن الأغبر ..
مخذول حتى آخر بيت في شعر الملك الضليل ..
مغدورٌ حتى آخر زفرة خذلانٍ في رمقٍ القيصرْ ..
يا عبد الله أنخت الرحل وصوتي كدريدٍ ضيعه صخب الصبوة ..
ناديت عليك ، عليك حليب الأم استمسك بالربوة ..
عانِدْ إغراءَ ندامى الكأس ..
استنهض عزمات البأس ..
تمهل وانتخب الصحبة ..
وتبصر ..
لا أنت مليك يعلوك التاج ولا اسفل قدميك نعومة سجاد عجمي غطى عتبات المرمر ..
إشحذ قسمات السيف ..
تضئ الليل فيبرح ظل الزيف ..
ولاتركن لأحابيل فتى يشكر ..
الصرخة طاشت بلهاة الكهل ..
وأرخى الليل ذؤابات الأسود ..
إستسلمت الأجفان لسكر اللحظة للحادي الأرمد ..
هجموا ، ياوجعي يا عبد الله ، وما يبكيك سوى تصهال الخيل ..
صمتت عزمات عقيد القوم تدثر بئر الليل ..
ونام ..
وتنادوا .. قلتَ أعبد الله ؟ ..
يا عبد الله عليك سلام ..
وإن كنت تخيرت مقعد دريد فلمن يقرأ مطلق البراح في تأويل عبد الله (.. شخصاً .. ظاهرةً .. قيمةً .. مرجعيةً تنهل منها الخيل طلاقة القوادم ) ..
ثم وشيكاً أدركت أن زبد الهتاف أطغى ؛ وعندها استحق عمود الصحافة اليومي الذي كنت أكتب في جل الصحف اليومية اسم ( هذا كتابي ) ، عطفاً على حسرات لقيط الإيادي :
هذا كتابي إليكم والنذير لكم
لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا
عندها تناديت نحو سرادق الناصحين المعتزلين ؛ الشنفرى .. دريد الكهل .. لقيط الإيادي .. غازي القصيبي ووحش الفلاة . ولعل القصيبي أدرك مبكراً أن ( الظروف المكتنزة ) هي من يحرك الأوداج ما يجعل للضفادع صوتاً يطاول أصوات أعتى الثديات وظفرت الضفادع بالغنم .. كتب القصيبي :
ستقال فيك قصائدٌ مأجورةٌ
فالمادحون الجائعون تأهبوا ..
تخيرت معسكر الشنفرى ولقيط والقصيبي وكتبت تحت عنوان :
ترف العود الى المملكة :
حين كان الرصيف الخورنق ..
والليل مملكة المارقين ..
خرجت أبادلهم قافية .
إمتثلت ..
تدبرت أمري بليل ..
جلست أرقع معرفتي ..
استميح الظلام لفافة صبر ..
تضمد جرح الفراسة ..
تستشرف القمم السامية .
****
المدينة آهلة بالتوجس ..
خبأت وجهي ..
وهذا المهرج ما مل يمضغ – مغتبطا – طرفة بالية .
الوجوه التي هي منك تعبد رابية من قبول ..
و يسمو بك الزلق الذي يصطفيك الى قمة الرابية .
****
كان بهو اللقاء فسيحا كمثل التلال ..
رحيبا كمثل الخيال..
ونادمتهم ..
لا مكان هنا للمنخل يركن للدعة الكافرة .
كان بين الفتى ومليك الأساطير أقصوصة فاجرة .
كان والولد اليشكري يوشي عباءة سيده بالمذهب .. يلتقيان فيغدق هذا ..
ويكذب هذا ..
ويسكب في حلقه علقم الخزي في ليلة ماكرة .
****
ها هنا معبد الآبقين ..
السليك يمازح ذئبا ويبتسم الشنفرى من فلاة جوانحه الساحرة .
كان بهو اللقاء حفيا بمن خطب الليل مملكة بملاءته الساترة .
هاهنا ليس من سقف الا السماء بأنجمه السافرة .
و التلال لحاف ، و وحش الفلاة يلخص ملحمة الأمس في طرفة ساخرة .
قال كم حار بين شراك المزارع والزرب ، يطوي الطوى منذ ليلته الغابرة .
استراح الى الجمع ، ألقى عصاه وقد غاب صوت الوعيد ولهجته الزاجرة .
هاهنا الشمس والبدر يلتقيان ، وحر الهجيرة والديمة الماطرة ..
هامس التل ماء البحيرة أوصى بجيرته الشاجرة ..
ذلك مجزوء أعمالٍ تعمدت أن أقتصد في عرضها عند راهن المبغى .
عند خط التماس بين المنحنيين الشتوي ونظيره الصيفي بحلول مارس من العام الثامن عشر بعد الألفين عيَّنت أن فكرة الإعتزال أضحت أصدق من الفجر وأنصع من شمس الضحى ، وخرجت نحو سرادق النخبة إتباعاً للقول بالفعل الجسور .
وعند نكهة الطين بأردان أبي بما لا تطيقه بيوتات ( كرستيان ديور ) و( إيف سان لوران ) و( دولشي & غابانا ) .. عند لون أردانه الحائر بين درجات البني حتى أقصى تخومه ارتاحت القافلة و ..( القت عصاها واستقر بها النوى ) ..
هم لن يسمعوك والصخب سيد الموقف لهوته الكذب وثفاله زبد الهتاف .. هم لم يسمعوا قبلك الإيادي ولا دريد الكهل ، وفي حمى الهتاف يتبادلون الكذب فيتعاظم المسكوت عنه تحت حوافر الرهبة وفتون الرغبة ..
كنت أقفز فوق جل التراشقات في هذا الوسيط قفزاً وهي تردد الطُرف النافقة القديمة وتضحك عليها من جديد .. ثم قرأت عمسيب ؛ الصورة دلت على رجلٍ في مستهل الصبا بيد أن الأفكار أنضج والسياق لا تعوزه الجرأة العلمية .. طالعت منشوراً ؟ .. منشورين ؟ .. عشرين ؟ .. من أي وجهةٍ قادم أيها المختلف ؟ .. ما الذي تفض من أغلفةٍ قعد عنها خوفاً أو طمعاً كل من قعد ؟ .. من حملك على هذا في أزمنة الطاس والديسق وسوقية المصطلح ؟ ..
أي صَيقلٍ برى قلمك ليقول ما لم تتحراه حذام ؟ ..
ثم أني هاتفت الرجل واقتربت من كونه وبي خشية موضوعية من أن يعيدني الى كون اعتزلته وما تزال ، وما أزال في سهوب لا يطالها النابغة ولا المنخل ولا مكان فيها لابتذالات :
أجزني إذا أُنشدت شعراً ..
أو :
أغثني يا فداك أبي وأمي ..
يكتب وما اختلفت معه في أية مفردة ، دع عنك في جملةٍ أو فكرةٍ وهو يمضي بك استدراكاً واستطراداً واسترسالاً ببساطةٍ لا يطالها اصدقاء الرغبة والرهبة ولا أولياؤهم .
في آخر منشور طالعته لامس شأن الهوية في غضون ما يداخل منشوراته من نذير تجاه بنادق المظلومية المشرعة . ولأصدق ما قال من المقعد الاستراتيجي ، أستدعي هذه القطعة من آخر كتابٍ صدر للمفكر وعالم السياسة الأمريكية بروف صمويل هنتنغتون تحت عنوان :
Who are we?
America’s great Debate.
يقول الكاتب في صفحة 12 :
America’s identity problem is unique, but America is not unique in having identity problem. Debates over national identity are a pervasive characteristic of our time. Almost everywhere people have questioned, reconsidered, and redefined what they have in common and what distinguishes them from other people: who are we? Where do we belong? .
وقبلها صفحة 9 من ذات الكتاب يقول الكاتب :
“We Americans” face a substantive problem of national identity epit-omized by the subject of this sentence. Are we a “We,” one people or several? If we are a “We,” what distinguishes us from the “thems”who are not us ?.
وهنتغنتون لم يترك شأن هوية أمريكا على إطلاق بل أنه يخلص الى أن هوية بلاده هي الأنجلوبروتستانتية وهي في نظره ما كفل قوة امريكا وما بلغته ، ويقول محذراً أن الهجرة الحالية والأقليات تهدد تلك الهوية ما قد يعرض القوة العظمى للتفكك على غرار ما حاق بالإتحاد السوفياتي وبريطاتيا العظمى .
في غضون ذلك يجهل صبية الصخب السوقي أن مرجعية الدولة الوطنية في أساسها هي صلح ويستفاليا العام 1646الذي كرس السيادة والحدود وعدم التدخل ، أما الأهم فهو تعريفه للدولة على أنها وحدة الثقافة واللغة وهو يلائم الموقعين على الصلح وأوروبا على نحوٍ عام .
ومن هنا فقد حملت الدولة جرثومة ضعفها منذ نشوئها من حيث أن ذلك التعريف لا يلائم أفريقيا التي تضم حدود الدولة فيها تنوع عظيم في اللغات والثقافات ، وذلك هو المبرر لكل حروب أفريقيا وحروب السودان بحسبان أنه الأكثر تنوعا .
إذن فإن الأمر لا علاقة له لا بالخدمات ولا بالتهميش في المواقع العامة ولا بطغيان فئةٍ على أخرى بل أنها أزمة الدولة الوطنية .
المطلوب إذن هو قيام بيوت إستراتيحية سودانية ، تتسع لتشمل أفريقيا ثم يبسط شأن رتق الدولة والسعي لإنضاجها عبر الكراسي الاستراتيجية العالمية .
في غضون كل ذلك تتعاظم الهجمة التي تسعى لتجريم جماعة بعينها في السودان عبر أمرين ؛
أولهما أنها احتكرت السلطة والثروة والموارد منذ الإستقلال ، والثاني هو تحميلها كل إخفاق عصف بالبلاد .
وعلى نول الهوية وتداعياتها يقرر وزير الخارجية الامريكي الاسبق وعالم السياسة الابرز هنري كيسنجر في كتابه :
Dose America needs a Foreign policy.
أن الديقراطية التعددية الغربية تواجه أزمة في أفريقيا ؛ ويشرح ذلك بأن التعددية تنبني على وجود أغلبية وأقلية ، وأن أقلية اليوم يمكن أن تصبح أغلبية الغد ، ويضيف ولكن في افريقيا فإن الاغلبية تظل أغلبية وكذلك الأقلية لان خيارات الفرد في الاقتراع تتأسس على خطوط اثنية وثقافية وعرقية، وعندها ليس أمام الأقلية التي لن تنصرها صناديق الاقتراع سوى اللجوء للبندقية .
العزيز عبد الرحمن عمسيب .. أخشى أنك تأخذ بتلابيبي لمعتركٍ آثرت اعتزاله . ولقد سبق وألجمت تعقيبي على منشورك في حقي وما ألفيت ما يعين على رد التحية تلك بمثلها ناهيك عن الأفضل منها .. أسبغت علي ما يثقل كاهلاً مُعنَّى كصاحب أخيك .
أخشى أنك تدفع بي دفعا نحو حقل غادرته طوعا ، ويحك ! وموسم البصل يعاجل ولسه ما رميت المسمس .. جيت الخرطوم الخميس اواصل الارحام وداير لي خراطيش لي البابور اللستر ، امس اشتريت تقاوي خضروات من السوق المركزي لي ملاح البيت لكن التعويل علي البصل ، وبإذنه برجع يوم الأحد ، العود لطين الأرض ..
وماء الحوض ..
وثرثرة الماء المتصابي لا يحفل لا بالسد ولا بمغاليق القبض ..
هناك في البلد ما عندنا نت ، والتلفزيون والفضائيات بأثيرها اللامتناهي ، وبجهل الشقراوات ، واستحالة الاعلاميين بها لناشطين يبشرون عبر تقارير موغلة في الإطناب بالسياسات الخارجية للدول المالكة لم تعد تغري أحدا ..
ونستنا بعد شاي المغرب في السعية والسعانين وسعر التقاوي والقشوش الشهقت بعد أن خفف النهر من غلوائه ..
بمناسبة شهقت دي في حوشي الكبير زارع المحريب أو الحمريب ان شئت ما ذكرني بعكير الدامر :
الحقن اتملت والدابي جاتو فضيحتو
غير خاطر مرق ضاقت عليهو فسيحتو
ادشة السرح كرفت هواهو منيحتو
والحمريب شهق فتح قزايز ريحتو
والسلام ختام
#وهكذا

—–
عبد الرحمن عمسيب