زهير السراج

البيان بالعمل !


* ارجو ان يكون السيد رئيس مجلس السيادة الموقر والقائد العام للقوات المسلحة الفريق اول (عبد الفتاح البرهان) قد استوعب الدرس الذي أعطاه له، ولا أريد أن اقول لقنه له، الشعب السوداني عندما رد على طلب التفويض الذي تقدم به امام حشد من الضباط والجنود والمدنيين للقيام بإجراء شبيه باستلام السلطة في ابريل من العام الماضي، قائلا: (نحن تحت إشارتكم، زي ما استجبنا ليكم في أبريل الماضي الآن تحت إشارتكم، أي إشارة نستجيب ليكم)، فانهالت عليه ملايين التعليقات والردود من وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة الى مئات المقالات في الصحف والمواقع الالكترونية تدين وترفض ذلك الحديث الغريب، وتعلن بكل وضوح وإصرار عن رفضها لحكم العسكر وتمسكها بالدولة المدنية الديمقراطية ولو مات من اجلها الجميع، ولا ادري من هو الساذج الذي اقترح للبرهان طلب التفويض، وصوَّر له ان الشعب سيهلل ويكبر له ويهتف باسمه ويغني له (أيدناك بايعناك يا البرهان أيدناك) عندما يستمع الى حديثه مع الظروف الصعبة التي يعيشها، ويعطيه (كارت بلانش) ليفعل ما يريد!
* يبدو ان السيناريو الذى نفذه (عبد الفتاح السيسي) في مصر كان ماثلا أمامه عندما سمع الاقتراح، فلم يتردد في اطلاقه منتظرا الهتافات والتهليلات خاصة أنه يتشارك مع الرئيس المصري في الاسم الأول، ولكن يبدو انه نسى أن الشعب السوداني الحر لا يمكن ان يُخدع بالبساطة التي خُدع بها شعب مصر، فانطلقت عليه حمم اللهب والبراكين من كل جانب وأعطته درسا لن ينساه بأن شعب السودان ليس بالشعب الساذج الذي يمكن خداعه بمعسول الكلام، خاصة مع التجارب المريرة التي عاشها تحت حكم العسكر وحلفائهم من الساسة الفاسدين !
* غير ان الدرس الحقيقي الذي استمع اليه، هو الذي اعطاه له شباب (الكلاكلة) عندما جاءهم متفقدا فيضان النيل الابيض في موكب استفزازي ضم مائة عربة ومئات الجند، فهتف في وجهه (مدنياااو)، معيدا الى الذاكرة أيام الثورة المجيدة التي ظن البرهان انها ماتت ولكنه صُدم بأنها لا تزال حية ملتهبة في النفوس، لا تُبدلها ظروف معيشية قاسية ولا تُغيّرها خطابات ساذجة !
* وأقول لرأس دولتنا المحترم، ألم يكن من الأجدى بدلا من الحضور في ذلك الموكب المستفز، أن ترافقه أو تتقدم موكبه الجرارات والآليات والشاحنات المحملة بخيم الايواء والأغذية والادوية لمساعدة المواطنين وتقديم دليل عملي على مؤازرة الحاكم للشعب، بدلا من كلمات المواساة التي لا يعرف المواطن كيف واين ومن أي بنك يصرفها؟!
* إن ثمن عربة واحدة من التي شاركت في الموكب، أو ثمن محور زراعي واحد من محاور شركة (زادنا) في الولاية الشمالية التي يبلغ عددها اكثر من 1600 ويبلغ ثمن المحور ( 150 فدان) الذى يُباع بالعملة الصعبة حوالى (300 ألف دولار أمريكي)، كان كفيلا بمساعدة مواطني حي (الكلاكلة التريعة) الذى شملته جولة البرهان، وتوفير المأوى والطعام والدواء لهم، بالإضافة الى غرس الطمأنينة في نفوسهم بأن ولي الأمر حاضر معهم في المُرة والحلوة، في كل وقت وفى كل مكان، فيطمئنون له ويحبونه ويقفون وراءه !
* السلطة ليست مجرد مظاهر ومواكب فخمة وصفارات إنذار وكلمات خاوية، وإنما (بيان بالعمل) هدفه مساعدة وخدمة وحماية المواطن أينما وجد وتوفير الامن له .. أليس هذا هو شعاركم المحبب في الجيش سيدي البرهان، أم أن السنة التي عشتها في القصر وتذوقت فيها حلاوة السلطة انستك له ؟!
الجريدة
زهير السراج