مهن ومحن (29)
نعم أن تكون زوجا فأنت صاحب مهنة من أصعب المهن في الحياة، لأنها تتطلب أن تكون لك مهن متعددة، ولكن من ينظر إلى الزواج كمهنة بالمعنى الاصطلاحي للكلمة يجرد الزواج من قيمته الإنسانية والعاطفية، ولهذا فإنني لن أتطرق إلا إلى مهام الزوج في إطار هذه السلسة من المقالات (الزوج لغة هو الرجل والمرأة)، وما حملني على الزوج بالزواج الذي ينبغي أن يقوم على التراضي والتكافؤ والاحترام المتبادل والمودة والرحمة في دنيا المهن والمحن (بكسر الميم في الكلمتين)، هو أن نسبة الفشل فيه صارت عالية، فالمهنة التي تعتاش منها قد تكون في أحيان كثيرة مفروضة عليك أو قبلت بها مرغما لعدم وجود بدائل، ولهذا تجد الناس ينططون من وظيفة أو جهة عمل إلى أخرى، ولكن الزواج «غير شكل» والقاعدة فيه هي الثبات وعدم النطنطة، وأعني بذلك الطلاق والزواج بأكثر من واحدة، لأن مسمى زوج ليس كمسمى الوظيفة تتخلى عنه برضائك بكل سرور بسبب ترقية أو فرصة عمل أفضل في مكان آخر، أو رغم أنفك وأنوف من خلفوك وخلفوا «أبو أبوك»، لإنهاء خدماتك أو لأن بيئة العمل «قرفت عيشتك».
ومن ملاحظاتي أن الطرف الأكثر فشلا في المهام الزوجية هو الرجل، وكل الدراسات العلمية المنهجية تثبت أن الزوجة أكثر وفاء وحرصا على تماسك بيت الزوجية، بل إن العقلية الشرقية تجعل الكثير من الرجال يحسبون أنهم ليسوا مطالبين بأكثر من توفير الخبز الرز واللحم والفحم والصابون والمعجون، وهذه الفئة هي التي تحول الزواج إلى «وظيفة»، والوظيفة محكومة بدوام وحضور وانصراف، ويجوز فيها التسيب ويكثر فيها الاستهتار والاستهبال والزوغان والإجازات العارضة في غياب «عوارض»، وهناك من يتعامل مع الزواج كـ«شركة» يكون فيها الرجل صاحب المساهمة الأكبر في رأس المال وبالتالي فـ«الكلمة كلمته والشورة شورته»، لأن من حقه أن يكون رئيس مجلس إدارة الشركة والعضو المنتدب فيها، ورئيس مجلس الإدارة الناجح غير مطالب بالتواجد ولو مرة في الأسبوع أو حتى الشهر في الشركة/ المؤسسة بل يعطي العيش لخبازيه بشرط ألا يأكلوا منه فتفوتة، ولكنه يملك سلطة المحاسبة والعقاب والمكافأة، وإذا تصرف رجل داخل مؤسسة الزوجية بعقلية رئيس مجلس الإدارة فسيقود المؤسسة إلى الانهيار، لأن الزواج ليس فيه لوائح داخلية ونصوص وفصوص، بل هو محكوم بالمشاعر والحس الإنساني السليم، وإذا لعب رجل ما دور رئيس مجلس الإدارة في بيته ولكنه منح زوجته صلاحيات المدير التنفيذي العام فإن ذلك سيعود على جميع أطراف «المؤسسة» بالربح الوفير، وما من ربح أعظم في البيت أكثر من راحة البال.
والطامة الكبرى هي أن يكون الزوج فرعونا والزوجة ذات عقلية جاهلية: ألا لا يجهلن أحد علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلينا.. يعني يسأل الزوج المتفرعن: وين الزفت اللي كان هنا؟ فترد عليه الزوجة: شوف في سلة الزبالة يمكن تلقاه مع بقية أغراضك، وهناك الزوجة «الشرّانية» بطبعها ولديها لكل حل مشكلة.. تقول لها هذا ثور، تقول لك: أنت ثور أيضا بس ستحلبه، وأثبتت كثير من الدراسات أن النساء ضحايا العنف في مجتمعاتنا بمعدلات عالية، والباطش هو الرجل زوجا كان أو أبا أو أخا أو «غريبا»، ولكن بعض النساء حققن المساواة مع الرجال بعرق الجبين، فصرنا نسمع عن الزوج الذي أنقذه الجيران من فتك زوجته، والزوج الذي طلب اللجوء في السفارة الأمريكية هربا من زوجته (وهذه واقعة موثقة)، وأطرف وأبشع حكاوي قسوة الزوجات هي تلك التي جلست فيها زوجة تزن نصف طن على صدر زوجها بعد أن ألقت به أرضا ففقد القدرة على التنفس و.. البقية في حياتك.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]