عبد اللطيف البوني

إلى حين حضور الكفيل


[JUSTIFY]
إلى حين حضور الكفيل

إلى وقت قريب لم أكن من المهتمين بحلاقة شعر رأسي فيمكن أن أعطي رأسي للحاجة أو الولد أو البنت أو حلاق القرية أو حلاق السوق ويندر أن أدخل على صالون حلاقة حديث بالعاصمة كما يفعل الآخرون فالمهم عندي هو تقصير الشعر ويأتي ذلك كيفما اتفق ولكنني قبل عامين تقريباً وبالصدفة وقفت أمام مكان تجاري بسوق الخرطوم اتنين منتظرًا أحد الأشخاص فلحظت أن أحدهم ينظر لي بشيءٍ من التركيز فسألته عما إذا كان يعرفني فأجابني بعربية مكسرة أنه فقط يريد أن يعرف إن كنت أود حلاقة شعري لأنه يريد أن يغلق المكان فانتبهت أنني أمام مكان حلاقة فقلت له طالما إنك ترى أنني بحاجة لحلاقة فأفعل (هو أنا بعرف شعر رأسي أكثر من الحلاق) فضحك وقام بالواجب وقد كات حلاقة مميزة علق عليها كل أهلي وأصدقائي ومن يومها أصبحت زبوناً لذلك الحلاق الراقي الظريف.
في الأسبوع الماضي وبعد أن حلق لي علي (هذا هو اسمه) قال لي قد تكون هذه آخر مرة أحلق ليك فيها أو ربما يكون هذا آخر لقاء بيننا في هذه الدنيا فسألته عن السبب فقال لي إنه راجع إلى بلاده نهائياً بعد ثلاثة أيام وأنه قد جهز صالوناً خاصاً به في أديس أبابا أصدقكم القول أنني أصبت بلحظة حزن غير عادية فودعته بعيون دامعة وقد بادلتني عيونه بذات الدمع فقد كان صديقاً صداقة حقة لم أشعر بها إلا عند ساعة انفصامها بالفراق الأبدي.
في مساء ذات اليوم الذي ودعت فيه صديقي علي الحلاق طالعت في صحيفة (السوداني) تقريراً للأستاذة زينب بدل عن الأجانب في السودان والتقرير مستوحاه من تقرير أعدته جهة رسمية عن أوضاع البلاد الديمغرافية وأهم ما في هذا التقرير أن عدد الأجانب في السودان في حالة تزايد مستمر والأهم أن ثلث سكان الخرطوم أجانب ومعظمهم من الإثيوبيين ومعظم هؤلاء الوافدين عمالة فنية وغير فنية وغالبيتهم مقيمين إقامة غير شرعية وما لم يذكره التقرير أن معظم هؤلاء الأجانب يشتغلون في القطاع غير المنظم لأن الذين يشتغلون في القطاع المنظم (فورمال سكتير) عددهم قليل وإقامتهم إقامة شرعية والقطاع غير المنظم هو قطاع الحرفيين الأفراد والذين يشتغلون في المطاعم والكافتيريات وصوالين الحلاقة وخدمة المنازل والذي منه
إن الذي استوقفني في التقرير وغيره في المنتديات والكتابات الصحفية وبعض البحوث الأكاديمية هو التحذير من هذا الوجود الأجنبي وتصويره بأنه مهدد للأمن والهوية والثقافة السودانية حتى فتاة الواتساب الضحية حملوها مسؤولية اغتصابها وصوروها بانها تعمل على نشر الأيدز وإن هذا الوجود الأجنبي خطر لابد من الحد منه وإن على الدولة أن تعمل يدها الباطشة لمحاربته. إن كان ذلك كذلك ففي تقديري أن هذا التحريض في غير مكانه فهؤلاء الأجانب لم يشكلوا خطرًا علينا والمجتمع السوداني لم يرفضهم بل رحب بهم فهم يقدمون لنا خدمات على الأقل بإتقان وعلى شبابنا العاطل أن يتعلم منهم إجادة الحرفة كما أنهم يثرون ثقافتنا بالتجويد والانضباط. إن قدر السودان أن يظل مفتوحاً لكل شعوب القارة وأن يكون نقطة تلاقي لشرقها مع غربها إنه السودان صرة وواسطة عقد بلاد السودان الكبير التي تمتد من نواكشوط إلى جيبوتي فلا داعي لتوتير المجتمع بالتضييق على ضيوفنا كما يفعل معنا الذين نهاجر اليهم طلباً للرزق.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]