حيدر المكاشفي

استقيل يا مدني قبل ان تقال


من المؤكد ان التوقيع النهائي على سلام جوبا الذي سيتم اليوم حسبما هو معلن رسميا، ستترتب عليه جملة من المتغيرات والتغييرات على اصعدة عدة، من بين هذه المتغيرات بلا ريب هو اعلان تشكيلة وزارية جديدة تستوعب القادمين الجدد من مكونات الجبهة الثورية، وتستجيب كذلك للمطالب المتكررة بتقوية الحكومة باستبعاد عدد من الوزراء ممن يوسمون بضعف الاداء واستبدالهم بأقوياء، ولا ادري على وجه اليقين الطريقة التي سيتبعها رئيس الوزراء حمدوك في التعامل مع وزرائه الحاليين، ولكن يرجح عندي انها ستكون الطريقة ذاتها التي اتبعها في التغيير الوزاري السابق الذي اطاح بستة وزراء بقبول استقالاتهم واقالة السابع لرفضه مبدأ تقديم الاستقالة، بأن يطلب مجددا من الوزراء الحاليين كافة تقديم استقالات جماعية فيقبل منها ما يقبل ويبقي على آخرين من غير الذين يشغلون حقائب صارت بحسب اتفاق السلام من نصيب الجبهة الثورية، أو ربما يستبدل كل الطاقم الوزاري، ومن المرجح كذلك ان اول من سيغادر موقعه الوزاري استنادا على عدد من الشواهد والحيثيات، هو مدني عباس مدني وزير التجارة والصناعة التي تولاها بعد استبعاده من منصب وزير رئاسة مجلس الوزراء الذي كان مرشحا له، ودون الدخول في تفصيلات هذه الشواهد والحيثيات وغض النظر عن منطقيتها من عدمه، فان اقوى سبب يطيح بمدني خارج الوزارة هو انه لسؤ حظه بات الوزير الاكثر تعرضا للانتقاد والسخط لدرجة ان تكون رأي عام ضده..
ولما كنت شخصيا قد نصحته من قبل بأن يتقدم باستقالته حفاظا على تاريخه النضالي الثوري كواحد من ايقونات الحراك الثوري من منصبه الوزاري وتصحيح وضعه بركل الوزارة والعودة لصفوف الثوار، ولكن مدني اخذته العزة بالسلطة فلم يفي حتى بتعهداته الشخصية بعدم مشاركة قيادات (قحت) بكافة مكوناتها في مستويات السلطة السيادية والتنفيذية فكان هو الوحيد من القيادات الذي استوزر، ومن يومها اهتزت صورته فى اعين شباب الثورة، بل أن أسود البراري أسود الثورة استشاطوا غضبا وأشعلوا النيران رفضا مغلظا لقبوله المنصب، ومن بعد ذلك توالت الاحداث عليه عاصفة، فكان حظه فيها مثل حظ ذلك المتعوس الذي قال فيه الشاعر السوداني الفذ ادريس جماع (ان حظي كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه، صعب الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه، إن من أشقاه ربى كيف أنتم تسعدوه)، وبالفعل لم يسعد مدني وكان حظه مع الدقيق والخبز وما ادراك ما الخبز مثل حظ ذاك المتعوس، ولهذا وللمرة الثانية نقولها صادقة للشاب الثائر مدني تقدم باستقالتك المشفوعة بالاعتذاراليوم قبل الغد، وعد الى قواعدك الثورية وسط شباب الثورة، ولا تبدو كمن يتهافت على السلطة ويتشبث بالكرسي، فما زلت شابا فتيا والمستقبل السياسي مفتوح على مصراعيه امامك، فلا تستعجل ولا تشفق وعد كما كنت مدني الذي يعرفه الثوار ويألفونه، وتذكر دائما ان السلطة زائلة بينما الثورة باقية ومستمرة..
الجريدة

حيدر المكاشفي