صادق ناشر يكتب: سودان بلا سلاح
الخطوة التى أقدمت عليها الحكومة السودانية، مؤخراً، بتدمير ما يزيد على 300 ألف قطعة سلاح، جمعتها قوات الجيش فى إطار حملة لمصادرة السلاح غير الشرعى فى البلاد، تمنح الأمل فى إمكانية القضاء على مصادر الخطر التى تشكلها هذه الأسلحة، وبقائها خارج سيطرة الدولة ومؤسساتها.
من المعلوم أن السلاح فى السودان، وفى دول عربية أخرى، يتوفر بكميات كبيرة، وقد سمح ذلك بأن تتحول البلدان إلى ترسانة أسلحة، وأن تنتعش تجارتها، كما أن ذلك أوجد أمراء حرب، فضلاً عن شبكة كبيرة من المهربين والمنتفعين من هذه التجارة، حيث هدد السلاح غير النظامى كيان الدول، وأضعف دور الجيش، وبقية المؤسسات الأمنية، بل وأبقى الدولة فى كثير من الأحيان تحت رحمة الجماعات الإرهابية التى تحصل على السلاح بواسطة المال أو بواسطة شرائه من مخازن الجيش والأمن، بفعل الفساد المستشرى فى هذه المؤسسات.
وفى السودان، كما حال العديد من البلدان العربية، كان السلاح منتشراً فى أيدى الجميع، وكان أى مواطن بإمكانه أن يشترى ما يرغب فيه من أسلحة، تحت مبررات شتى، من بينها الدفاع عن النفس فى ظل غياب الأمن، خاصة فى المناطق التى يكون فيه حضور الدولة ضعيفاً، إضافة إلى أن العديد من المجتمعات المحلية، خاصة ذات الطابع القبلى، تتملكها ثقافة التسلح لمواجهة ظاهرة الثأر وغيرها.
بالخطوة الأخيرة التى نفذتها السلطات بتدمير هذا العدد الكبير من قطع السلاح، تكون الحكومة السودانية قد وضعت اللبنة الأولى لمجتمع بلا سلاح، خاصة بعد حرب أهلية فى مختلف مناطق البلاد، استمرت لعقود طويلة. وما ساعد الحكومة فى ذلك هو العملية السياسية الأخيرة التى تمت باتفاق لوقف إطلاق النار الذى وقعته الحكومة الشهر الماضى مع جبهة السودان الثورية، المكونة من 5 مجموعات تمرّد، و4 حركات سياسية، مما وضع حداً لنزاع استمر عقدين، وأوقع مئات آلاف القتلى، خصوصاً فى دارفور.
السودان عانى بما فيه الكفاية من تواجد السلاح فى أيدى المواطنين، وبحسب المسؤولين فإن هناك خطة للقيام ببعض الإجراءات الصارمة جداً التى تمنع حيازة السلاح، بحيث يكون فقط بأيدى القوى النظامية.
هذه خطوة فى طريق الألف ميل، لكنها تبقى محسوبة للنظام فى السودان، الذى بدأ يتلمس الطريق نحو دولة المؤسسات، بعيداً عن هيمنة روح القبيلة، لكن المهم هو المحافظة على هذا المسار الذى ستجنى منه البلاد سلاماً دائماً، وفى هذا السياق يجب أن توفر السلطة العدالة لكافة أفراد المجتمع، من خلال بسط نفوذها على كافة أراضى البلاد، لأن هذا هو الطريق الوحيد لإشعار الناس أن الدولة من الجميع وللجميع.
نقلاً عن صحيفة «الخليج»