عبد اللطيف البوني

جوا عائدين


(1 )
طيب الله ذكرى الصديق / أبوبكر الأمين اذ حكى لي أنهم ذات يوم بعد انتفاضة ابريل 1985 كانوا في معية الأستاذ الراحل /التيجاني الطيب بابكر مسافرين من الخرطوم لمدني لإقامة ندوة سياسية وعند وصولهم منطقة الباقير طلب التيجاني ان يعرجوا على المنطقة الصناعية التي كان قد انشأها النميري ويومها كانت تلك المنطقة في قمة نهضتها حيث زيوت الطعام من كافة أنواع الحبوب والصابون أشكال وألوان والأمباز والجلوكوز والمطاحن وكثير من الصناعات التحويلية الأخرى للصادر والسوق المحلي، فاندهش التيجاني الطيب اذ كان لا يسمع وهو في سجون مايو ومنافيها إلا الخراب ووصف ما شاهده بانه طفرة صناعية حقيقية يجب المحافظة عليها وتطويرها (الآن هذه المنطقة ينعق فيها البوم).
(2 )
مناسبة هذه الرمية هي أننا نريد ان نتوسل بها لمخاطبة إخوتنا العائدين للبلاد بعد اتفاقية سلام جوبا وبموجب الاتفاقية فهم عائدون حكاما وسوف يذهبون الى مناطقهم التي حملوا السلاح باسمها وبالطبع في أذهانهم لا يوجد فيها إلا الدمار والخراب لأن هذا كان مداد النضال ولكن من المؤكد أنهم بجانب الخراب سوف يجدون تطورا في الخدمات التعليمية والصحية وربما شيء من التنمية فالحياة لم تكن متوقفة وأهلهم الذين لم يحملوا السلاح والذين صانعوا النظام السابق لا بل الذين كانوا جزءا منه كانوا يعكفون على تطوير تلك المناطق وقدموا ما في وسعهم، فمثلا اذا تركت ثلاث مدارس ثانوية في ولاية ووجدتها فوق الثلاثمائة ولم تترك ولا كلية جامعية ووجدت خمس جامعات ولم تترك شفخانة فوجدت مستشفى كبيرا أليس هذا تطورا ؟ فالمطلوب منهم ان يكونوا منصفين مثل التيجاني الطيب ويعطوا كل ذي حق حقه كي يتصالحوا مع الواقع وكي يواصلوا من حيث توقف الآخرون فاي إنكار لما هو قائم سوف يؤدي الى الإقصاء، والإقصاء هو الذي يودي الى حمل السلاح كما حدث لهم من قبل.
(3 )
دعونا نطمع في أكثر من ذلك ونطالب هؤلاء الإخوة عن الاعتذار لمواطنيهم عن الحرب التي حدثت لأنهم كانوا جزءا منها واي حرب في الدنيا تعني الخراب والموت والدمار بالطبع سوف يقولون إنهم اضطروا لذلك وإنهم فعلوا ما فعلوا من أجل البقية ولكن عليهم ان يعترفوا بانهم في سبيل ذلك قد قتلوا وانتهكوا وأضروا بأهلهم وهذا نتاج طبيعي لاي حرب، فالاعتذار هنا يعني رفض الحرب في المستقبل، فاي تمجيد لأيام الحرب باعتبار انها أيام (كفاح مسلح) يفتح الطريق لعودتها مرة أخرى . ان طي صفحة الحرب وفتح صفحة التنمية يبدأ بنبذ الحرب، فالحرب بين الأهل اسوأ ما يمكن تصوره ، ومع ذلك فهي موجودة وهي كذلك خط من خطوط من الدفاع (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ..) الآية فان كان النظام السابق هو المعتدي فقد أصبح هذا النظام جزءا من التاريخ كفكرة سياسية، ولكن يبقى أناسه وهم ليسوا في الخرطوم وحدها بل في كل الأقاليم ومن ذات أهل الإقليم وبقيت الآثار فالذين حاربوا هذا النظام قد عادوا حكاما اليوم فاذا أرادوا طرد الحرب من قاموسهم السياسي عليهم عدم الإقصاء والاعتراف بالتجاوز الذي أملته طبيعة الحرب وعدم تبخيس طريق المصانعة والمشاركة الذي اختاره غيرهم، فاذا كان اجتهادك قد قادك للحرب، فللآخر حق الاجتهاد الذي قاده الى طريق المسالمة والمشاركة وكل يدعي أنه ممسك بجمر القضية والقضية واحدة.

د. عبداللطيف البوني
السوداني