حيدر المكاشفي

القرار الصحيح في التوقيت الخاطئ


على ذكر (مصيبة) رفع الدعم التي تشغل الناس هذه الأيام، بعد أن مررتها الحكومة بلعبة خشنة من خلال وزير الطاقة الذي اذاعها من غير اختصاص، أذكر أن وزير المالية السابق ابراهيم البدوي والذي يعتبر عراب سياسة رفع الدعم وتطبيع العلاقة مع صندوق النقد الدولي، اذكر انه قال عند أول تلميح له بتبني هذه السياسة، ان رفع الدعم لن يتم في الوقت الراهن (وقت ادلائه بحديثه هذا)، وحديثه هذا يعني بوضوح ان اتخاذ قرار قاس وصعب مثل رفع الدعم يحتاج اعلانه وتطبيقه لوقت مناسب وليس في أي وقت وتحت أي ظرف، وحكماء علم الادارة يقولون (القرار المناسب في الوقت المناسب)، وعليه دعونا نعوم مع تيار الحكومة المندفع بقوة نحو رفع الدعم، ونفترض ان هذا هو القرار الصحيح الذي يشكل البداية الصحيحة لمعالجة التشوهات والاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، فهل الوقت الحالي هو الوقت المناسب لانفاذ هذا القرار، ومعلوم ان توقيت اتخاذ القرار له أهمية كبيرة في انجاح القرار لو كان صائباً دعك من ان يكون خاطئاً، فحين تتخذ قراراً صحيحاً في توقيت خاطئ تكون قد هدمت واحداً من أهم اركان اتخاذ القرار الذي سيجد التنفيذ الجيد والسلس والعكس صحيح عندما تتخذ القرار الصحيح في الوقت الخاطئ فالمؤكد انه لن يمر وسيجد مقاومة عنيفة ستعود بالوبال على متخذه..
وعلى ضوء هذه الحقائق البدهية، دعونا نتساءل هل الوقت الحالي هو الوقت المناسب لتطبيق قرار رفع الدعم، الاجابة التلقائية والطبيعية هي ان لا، بل ان الوقت الراهن يعتبر أسوأ الاوقات لانفاذ قرار رفع الدعم، فالمواطنون الذين سيقع عبء رفع الدعم على يافوخهم، هم أصلاً قد فاضت بهم المعاناة ووصلت أعلى سقوفها، فكيف سيكون حالهم بعد رفع الدعم، المؤكد ان حالهم سيكون على درجة من السوء يقول المثل عن مثلها (حالة تحنن الكافر)، ولهذا وحتى يكون لقرار رفع الدعم حجية باعتباره قراراً صحيحاً، ان لا تقدم الحكومة على اتخاذه الا بعد ان تجتهد في توفير الخدمات الاساسية والضرورية وتجعلها ميسورة وفي متناول يد المواطنين، اذ لابد لها من توفير وسائل المواصلات وجعلها متاحة وباسعار معقولة وكذا الحال مع الدواء والعلاج، وقبل كل ذلك لابد لها من معالجات محسوسة لخفض هذا الغلاء الفاحش، وغير ذلك من معالجات تمتص الكلفة الاجتماعية الباهظة التي سيتسبب فيها لا محالة قرار رفع الدعم، ومن ثم بعد ذلك يمكنها تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي، أما اذا تعنتت الحكومة ومضت فيما هي ماضية فيه، فما عليها الا ان تتحمل مغبة اتخاذها لهذا القرار في اسوأ توقيت..
الجريدة

حيدر المكاشفي