حيدر المكاشفي

الحركة الإسلامية..حل المحلول


في الأنباء بحسب صحيفة آخر لحظة الصادرة أمس، أن مجموعة (لم تسمهم الصحيفة) من القيادات الإسلامية البارزة، أعلنت حل الحركة الاسلامية ومنع أي جهات أو أشخاص من العمل باسمها سواء في السر أو العلانية، وكانت هذه القيادات وفقاً للصحيفة قد عكفت على إجراء تقييم شامل للمرحلة السابقة استغرق نحو عام، وارتكز على تحليل الأوضاع بالبلاد عقب التغيير الذي ازاح الإنقاذ من سدة الحكم، وبناء على نتائج هذا التقييم قررت حل الحركة.. ولكن السؤال المهم هو هل هناك حركة أسلامية قائمة كي يتم حلها أو حتى تنشيطها، وجدير بالذكر هنا ان هذه الحركة غيرت اسمها ولافتتها أكثر من مرة، من جبهة الميثاق إلى الاخوان المسلمين إلى الاتجاه الاسلامي والجبهة القومية الاسلامية ثم أخيراً الحركة الاسلامية، وبالطبع لن أجيب عن السؤال بالاصالة وانما بالوكالة عن طيف واسع من القيادات العليا والوسيطة من منتسبي هذه الحركة، فأقول على لسان بعضهم أن الحركة قد تم حلها قبل ثلاثين عاماً، وانها ماتت وشبعت موتاً وتم تشييعها الى مثواها الأخير، منذ لحظة اعلان أمينها العام المرحوم الدكتور الترابي حلها وتوزيعه المصاحف والسبح على شيوخها وكبرائها في ذاك اللقاء الشهير الذي انعقد بعيد انقلاب الانقاذ بقليل، وما هو قائم الآن لا صلة للحركة الحقيقية والحقة به، بل هو محض مشروع سلطوي ذرائعي تلبس شعارات الاسلام وتخفى خلفها، ومنهم من يرى في الحركة ما رآه ربيبها صلاح قوش مدير جهاز الأمن الاسبق، وكان من رأي قوش الموثق فيها بحسب عبارته (كل الحركة الإسلامية لا داعي لها)، وقريباً من ما قاله قوش هو قول ربيبها الآخر امين بناني الذي قال )دين السودانيين وتدينهم أحسن بكثير من تدين القطاع الغالب من الحركة الاسلامية، (وهناك آخرون كثر من عضوية الحركة وقياداتها انتهوا إلى ذات الرأي خاصة بعد تجربة حكم باطشة وفاشلة وظالمة وفاسدة كشفت لهم ما لم يكن من اليسير اكتشافه قبلها..
غير ان أكثر ما أراه ناسفاً لكيان الحركة وكينونتها، هو ما قاله رئيس البرلمان الأسبق أحمد إبراهيم الطاهر حين اشتد اعتراض بعض النواب على بعض القروض الربوية المطروحة للتداول وكان هو شخصياً من أشد المؤيدين لها، فما كان منه لإخراس الألسن المعارضة إلا أن يقول باندفاع دفاعاً عن هذه القروض الربوية (لسنا في دولة مكة ولا دولة المدينة بل في دولة في هذا العصر)، وكانت تلك كلمة حق اراد بها باطل، فالعبارة تؤكد أن للدولة السودانية خصوصيتها، فلا هي دولة مكة ولا هي الدولة السوفيتية ولا هي الجمهورية الفرنسية، هي دولة السودان بما فيها من تباينات واختلافات وتعدد ثقافي وإثني وبما تكابده من مشكلات وأزمات مختلفة ومتطاولة ومزمنة لا تعانيها غيرها وإنما تخصها وحدها، وهي بمقاييس العصر الذي تعيش فيه دولة متخلفة وموبوءة بالمشكلات والأزمات، ولو وجدت فقط من مآثر ومفاخر العدل والمساواة والنزاهة والأمانة لكفاها ذلك ومكنها من الانطلاق، والسؤال الأهم لماذا تتسمى هذه الجماعات بـ(الإسلاميين) وتحتكر لنفسها الديانة الاسلامية وتجعل منها ميزة تختص بها، فالاسلام ليس في حاجة لحركة أو حزب يرفعه شعارا ولافتة يختبيء وراءها، والاسلام ليس في حاجة لمن يتخذه تميمة واسماً، بل لمن يطبق تعاليمه السمحاء على الأرض ليراها الناس ويلمسوها واقعاً معاشاً..
الجريدة

حيدر المكاشفي