حيدر المكاشفي

استهبال وزير الطاقة

من حكايات الاستهبال الطريفة، تلك التي تروى عن سائق العالم الشهير اينشتاين، قيل ان اينشتاين سئم تقدیم المحاضرات بعد أن تكاثرت عليه الدعوات من الجامعات والجمعیات العلمیة، وذات یوم وبینما كان في طریقه لالقاء محاضرة، قال له سائق سیارته، أعلم یا سیدي أنك مللت تقدیم المحاضرات والاجابة عن الأسئلة، فما قولك في أن أنوب عنك في محاضرة الیوم، خاصة أن شعري منكوش ومنتف مثل شعرك وبیني وبینك شبه لیس بالقلیل، ولأني استمعت إلى العشرات من محاضراتك فتكونت لدي فكرة لا بأس بھا عن نظریة النسبیة فأعجب اينشتاين بالفكرة وتبادلا الملابس، وعند وصولهما قاعة المحاضرة، وقف السائق على المنصة وجلس العالم العبقري الذي كان یرتدي زي السائق في الصفوف الخلفیة وسارت المحاضرة على ما یرام إلى أن وقف بروفیسور متنطع وطرح سؤالا من الوزن الثقیل قاصدا به احراج اينشتاين ، ھنا ابتسم السائق المستھبل وقال للبروفیسور سؤالك ھذا ساذج إلى درجة أنني سأكلف سائقي الذي یجلس في الصفوف الخلفیة للرد عليه، وبالطبع قدم السائق الذي هو اينشتاين ردا جعل البروفیسور یتضاءل خجلا..والسيد وزير الطاقة المكلف يبدو انه استلم راية المنافحة عن رفع الدعم من وزير المالية المستقيل، اذ انه الوجه الوزاري الوحيد الذي ظل على مدار الاسبوع الماضي يحاول عبثا اقناع الناس بالفوائد العظيمة والجمة التي ستعود على البلاد والعباد بالخير العميم برفع الدعم، وطفق يعدد للناس محاسن الرفع حتى خيل لنا انه سيرفعنا الى مقام الجنان ويورثنا الفردوس الارضي، ولن نغالط وزير الطاقة في محاسن رفع الدعم التي يذكرها، ولكنه مثل سائق اينشتاين تحاشى على طريقة الشينة منكورة، الحديث عن مساوئ رفع الدعم وآثاره الاجتماعية الكارثية، وكان مثل الخاطبة التي لا تروج الا محاسن من تسوقها للزواج، والمؤكد ان الوزير يعلم من الآثار الجانبية الفظيعة لرفع الدعم ما لا نعلمه وهي اكثر من ان يسعها هذا الحيز الضيق، ولكنه رغم ذلك أخفاها ولم يشر لها بحرف، كما لم يقل شيئا عن أية ترتيبات أو معالجات ذات قيمة لاحتواء وامتصاص الصدمة التي ستخلفها عملية رفع الدعم حتى يكون في الحدود المحتملة على الأقل ويجد القرار درجة من الرضا المعقول..
الذي لم يقله الوزير وحاول ان (يستكردنا) فيه، هو ان لرفع الدعم الذي لا تسبقه او تصحبه على الاقل ترتيبات محددة سيؤدي الى كارثة لا تحمد عقباها، مثل تأمين البدائل ونشر شبكة واسعة للحماية الاجتماعية، تتأسس على قاعدة بيانات حقيقية وشاملة للأسر الضعيفة والفقيرة وما اكثرها، لا ان تكون هذه البيانات مجرد ارقام وانما تحوي تحديد دقيق لهذه الأسر بالاسماء وعدد الافراد ومقر السكن كي يعرف المعنيون الى أين سيتوجهون بالدعم، اما الحديث في العموميات عن أرقام في الهواء هو كلام (ساكت)، كما يحتاج رفع الدعم قبل اعلانه الى السيطرة على سعر الصرف، فالمستوردون بعد الرفع سيتكالبون على السوق الموازي للعملات للحصول على الدولارات، وسيترتب على ذلك سيناريو خطير جدا على سعر صرف الدولار الذي يتوقع أن يحلق بلا سقف والى أبعد الحدود، وهذا بدوره يؤدي الى ارتفاع الأسعار الأساسية والاستهلاكية بمستوى قد لا يتصوره عقل..فهل اعدت الحكومة مثل هذه الترتيبات الضرورية أم انها تريد ان ترفع الدعم بأسلوب (اخنق فطس)..
الجريدة
حيدر المكاشفي