بنسودا في الخرطوم .. للحقيقة وجه آخر
يشكل وصول المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا إلى الخرطوم حدثاً تاريخياً مهماً، بغرض إمكانية مثول المعزول عمر البشير واثنين من مساعديه أمام المحكمة الجنائية لمحاكمتهم في الجرائم التي وقعت في دارفور قبل أكثر من 15 عاماً، سيناريوهات وتكهنات بتسليم المتهمين للجنائية بأتت أقرب للواقع في ظل تباين المكونين للحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، اذ يحسب الكثيرون الزيارة بأن طابعها سياسي، أكثر من كونها ذات مدلولات قانونية تبحث حدث مرتبط بالقانون، فالخطوة لها ما بعدها بالتأكيد غير أنها ستكون بلا شك ذات تأثير محلي وإقليمي ودولي.
جهود حثيثة
مشاورات وجهود حثيثة تبحث بشكل جاد مناقشة سُبُل التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والسودان، بخصوص المتهمين الذين أصدرت المحكمة بحقهم مذكرات توقيف منذ العام 2209-2010م ولعل ما يؤكد مدى جدية تلك الجهود وصول المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا إلى مطار الخرطوم مساء أمس بتوقيت السودان، في أول زيارة لها للسودان، وتستمر حتى يوم 21 من الشهر الجاري، والتي تلتقي فيها عدداً من المسؤولين في الدولة على رأسهم رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزير العدل والنائب العام، وبحسب مصادر كشفت لـ(السوداني) أن بنسودا ستصل الخرطوم برفقة (4) أعضاء من مكتب المدعية العامة، وسيتم استقبالها من قبل وزارة العدل ممثلة في وكيلة العدل ورؤساء نيابة عامة ممثلين للنائب العام، وبحسب المصادر أن المدعية ستبحث إمكانية مثول المتهمين داخل الخرطوم أم في الخارج في إحدى الدول التى تستضيف المحكمة وفقاً لما نص عليه نظام روما الاساسي، هذا بجانب زيارتها لإقليم دارفور الذي شهد الاحداث في تلك الفترة، كما أن بنسودا ستقدم توضيحاً للسلطات السودانية حول التقدم الذي أحرزته في قضايا المواطنين السودانيين التي تنظرها المحكمة. بحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء.
جدل كثيف
دار جدل كثيف وتباينت الآراء حول تسليم ومثول البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون للمحكمة الجنائية الدولية، بين مؤيد ورافض لخطوة التسليم وتم طرح 3 سيناريوهات لكيفية التعامل مع الملف من قبل الحكومة الانتقالية الأول أن تأتي المحكمة الجنائية الدولية إلى الخرطوم ليمثل أمامها البشير و3 مطلوبين آخرين، ثانيا التأسيس لمحكمة مختلطة من قضاة سودانيين وآخرين تعينهم المحكمة الجنائية الدولية. ويتماشى هذا المقترح مع روح ورقة العدالة الانتقالية التي توافقت عليها الحكومة مع حركات الكفاح المسلح في دارفور، ومن بنودها إنشاء محكمة خاصة بجرائم دارفور من دون الدخول في تفاصيل المقترح. ويمكن في هذه الحالة أن يمثل البشير أمام المحكمة، استجابة لأمرها السابق، ومن ثم تتم إحالته إلى المحكمة الخاصة، على أن لا تتدخل المحكمة الجنائية إلا في حالة عدم قدرة الدولة على محاكمة الرئيس المخلوع أو عدم رغبتها بالقيام بهذا الأمر، وهي حالة انتفت بعد سقوط نظام البشير ومجيء الحكومة الحالية، التي أكدت، أكثر من مرة، استعدادها لمحاكمة كل المتورطين في الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في دارفور، اما السيناريو الثالث يتعلق بمحاكمة البشير يتمثل في إنشاء محكمة سودانية خالصة، عبر قضاة سودانيين، تماماً مثل ما حدث في محاكمته في قضية الثراء الحرام والمشبوه.
شد وجذب
وإمكانية مثول البشير ومعاونيه للمحكمة الجناية، أخذت شدا وجذبا بين مؤيد ورافض لفكرة التسليم، وفي هذا الصدد قال الامين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن لـ(السوداني) اعتقد مثول البشير ومعاونيه امام محكمة الجنايات الدولية مسألة وقت، طال الزمن ام قصر، سيمثل البشير واعوانه امام المحكمة التي قال عنها في نزوة من نزواته أنها تحت جزمته، وبالرغم من تعنت مناصري النظام السابق في خطوة مثول البشير ومعاونيه إلا أن المكون العسكري منذ البداية يرفض تسليم أي سوداني للمحكمة الجنائية، وبحسب الصادق هنالك تضارب في تصريحات المكون العسكري،البرهان والعطا والكباشي فهم يجاهرون برفض تسليم البشير ومن جانب آخر يؤكد حميدتي تسليم البشير، وفي اتفاق جوبا اتفق العسكر المفاوضون عن الحكومة مع الجبهة الثورية اتفقوا جميعهم على تسليم البشير لمحكمة الجنايات الدولية، الخلاصة مصالح ومواءمة مصالح بين العسكر وحلفائهم ولكن في النهاية واقعة التسايم ستتم، هنالك آراء واضحة من قبل الحكومة الانتقالية وبعض الموافقين على قرار مثول المتهمين أمام المحكمة الموافقة على تكوين محكمة جنائية في الخرطوم مشاركة بين قضاة افارقة وسودانيين، اعتبر الصادق أن هذا الحديث سابق لاوانه ولكن لطالما ان الحكومة اظهرت هذا التعاون، مثل هذه الاحتمالات لن تكون مستبعدة وهذه موقوفة على قبول محكمة الجنايات الدولية
خيار حر
توقيت الزيارة ووصل المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا أعتبرها المحامي الضليع أبو بكر عبد الرازق في حديثه لـ(السوداني) هو خيار حر، إن كانت مبادرة من بنسودا أو من الحكومة السودانية ممثلة في مجلس الوزراء، وأضاف ولا أظن أن مجلس السيادة قد دعا بنسودا، كما أن المكون العسكري قد عبر عن رؤيته الخاصة بتسليم البشير ومعاونيه منذ البداية بأنهم لم يسلموا أي سوداني للمحكمة الجنائية ولا أعتقد أن القرار قد تغير، ومن حق بنسودا أن تزور أي دولة وتستقبلها، في تقديري أن قوى الحرية والتغيير لا تمانع في تسليم أي سوداني للمحكمة الجنائية، وبحسب عبد الرازق فإن أمر تسليم البشير متعلق بالمكون العسكري وفقاً للوثيقة الدستورية باعتبارها الجهة المختصة بتحديد وزيري الداخلية والدفاع ومدير المخابرات وتبعية الأجهزة إليه.
رؤية مختلفة
وكشف عبد الرازق أن حزبه المؤتمر الشعبي له رأي معلن أن المحكمة الجنائية غير مختصة بالسودان أصالة لان السودان غير مصادق على نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية في الاتفاقية على الرغم من توقيعه بالأحرف الأولى عليها، إذ إن القانون الدولي يمهل الدولة بالاتفاقية عندما تكون مصادق عليها ويجب أن يفي بالتعاهدات الدولية وفقاً لذلك، ولكن المحكمة تختص بالسودان استثناءً إذ إن الملف أٌحيل إليها من مجلس الأمن الدولي، وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموجب القرار 1593 مما يجعل المحكمة مختصة بموجب هذه الحالة وفقا للمادة 13 من نظام روما الاساسي والتي تقرأ ما يحيله إليها مجلس الأمن متصرفاً من ميثاق الأمم المتحدة، كما أن المجلس سيتصرف وفقاً للإحالة والمحكمة تقبلها وتعمل على مقاضاتها، كما أن مجلس الأمن يمتلك حق إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب وفقاً للميثاق وللدول المصادقة عليها مثل أروشا، ومحاكمة مجرمي الحرب الروانديين في تنزانيا، ومحكمة يوغسلافيا السابقة لمحاكمة مجرمي الحرب الصرب.
الخرطوم: أم سلمة العشا
صحيفة السوداني