الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب : (استهبال سياسي)..!!

:: انسحاب الحزب الشيوعي من الحكومة – ليعارضها – غير مُدهش، فهو لا يتقن غير المعارضة.. وفي الذاكرة، ما أن تم التوقيع على الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية، تحدث سادة الشيوعي عن عيوب الاتفاقية، ولم يقدموا الحلول.. وهم هكذا دائماً.. حالهم كما الرسام الذي رسم لوحة وظن أنها الأجمل على الإطلاق، ثم وضعها في مكان عام، وكتب عليها (من رأى ثغرة فليضع فوقها إشارة حمراء)، وغادر مكان اللوحة، ثم عاد، ليجد مغطاة بإشارات حمراء، لدرجة أن اللوحة الأصلية قد طمست تماماً..!!

:: وذهب الرسام إلى معلمه حزيناً ومُحبطاً، وقرر هجرة فن الرسم، فأخبره المعلم بأن يرسم ذات اللوحة مرة أخرى، ولكن يُغير العبارة فقط.. ورسم ذات اللوحة، ووضعها بذات المكان، ثم بجوارها ألواناً وريشة، ثم كتب عليها (من رأى ثغرة فليمسك الريشة والقلم ويصلح الثغرة)، وغادر المكان، وعاد بعد ساعات، فوجد اللوحة (كما هي)، وتركها أياماً وعاد إليها، ولم يقترب منها أحد.. فأخبر معلمه بما حدث، فقال له: هنا الدرس، أي كثيرون هم الذين يرون الثغرات في كل شيء، ولكن نادراً من يسدِّونها..!!

:: فالشيوعي من الذين يبحثون عن الأزمات والقضايا.. وإن لم يجدها، يصنعها.. وليس من الذين يعالجون الأزمات ويبحثون عن حلول القضايا.. ولذلك، كتبت ذات يوم بالنص: رفض الحزب الشيوعي للاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية (غير مدهش)، وسوف يرفض الوثيقة الدستورية أيضاً، وكذلك سيرفض كل القرارات والسياسات الحكومية، وهذا الرفض المتوقع لن يكون مدهشاً أيضاً.. هكذا تكهنت قبل عام ونيف..!!

:: وقد حدث، فالحزب الشيوعي لم يدعم أي قرار حكومي.. عفواً، لم يدعم إلا قرار تعيين كوادره في أجهزة الحكومة التنفيذية.. طوال هذا العام، يعارض الحكومة، ثم يوزع كوادره في أجهزة ذات الحكومة التي يعارضها.. وليس في الأمر عجب، وقد لا يعلم هذا الجيل – الراكب راس – تلك الطرفة.. إذ يحكى أن شيوعياً غرقت سفينته، وجرفه التيار إلى جزيرة معزولة، فأنقذه أهل الجزيرة، ولما استفاق سألهم بلهفة: (جزيرتكم دي فيها حكومة؟)، فأجابوه بالنفي، فهمهم باستياء: (طيب الواحد يعارض شنو)..؟!

:: هكذا الرفاق دائماً، ليس في السودان فحسب، بل أينما وُجدوا، لسان حالهم (خُلقت لاعترض).. يدمنون النقد التنظيري ويتفادون التطبيق العملي، ويعشقون المعارضة ويتجنبون الحكم، وخاصة إن كان هذا الحُكم (جماعياً)، كما المرتقب بعد مشاركة حركات الجبهة الثورية وغيرها.. نعم، فالحزب الشيوعي – كما الحركة الإسلامية – لا يقبل بأن يكون (جزءاً من الكُل)، إما أن يكون الحاكم الذي لا شريك له في السلطة، أو المُعارض لكل شئ صادر عن السلطة، كما يفعل حالياً..!!

:: ولكن، لماذا لم ينسحب الشيوعي كُلياً من حكومة الثورة؟.. وفي الخاطر موقفه في (حكومة نيفاشا)، إذ شارك في البرلمان، ورفض المشاركة في الجهاز التنفيذي.. نعم، اختار العمل تحت (قبة النقد)، وتهرب من العمل في (الجهاز التنفيذي)، ليرفض ما ينفذه الآخرون.. فلماذا تغيّر، بحيث ينسحب من الحاضنة السياسية وأجهزتها الرقابية، ويبقى في الجهاز التنفيذي؟.. فالانسحاب يجب أن يكون (كاملاً)، أي من كل أجهزة الدولة، التنفيذية قبل الرقابية.. وما لم يحدث هذا، فإن هذا الانسحاب مجرد (استهبال)..!!

الطاهر ساتي – صحيفة الصيحة