الطاهر ساتي يكتب : أما المافيا.. كما هي..!!
:: قبل الثورة، عندما قررت المافيا المحمية بالسلطة والقانون تصدير إناث الأنعام، كان تبريرها أن هذا التصدير حل جذري لجريمة تهريب الإناث، أي كافحوا التهريب بالتهريب، وكل الفرق – بين التهريبين – أن أحدهما كان محمياً بالسلطة والقانون.. أما بعد الثورة، لقد ذهب ذاك النظام، ولكن يبدو أن المافيا (كما هي)، ليس فقط في قطاع الثروة الحيوانية، والذي لا يزال يشهد تصدير إناث الأنعام، بل في مواقع أخرى أيضاً..!!
:: وعلى سبيل المثال، قال والي شمال دارفور، محمد حسن عربي، بالنص: (إن تفاهماً تم بين حكومة الولاية والحكومة الاتحادية لمعالجة قضية السيارات التي دخلت الولاية عبر التهريب خلال الفترة الماضية).. وبموجب هذا التفاهم، تم تشكيل لجنة مختصة تعنى بحصر وتسجيل السيارات المُهرّبة، ومنحها لوحات مؤقتة، لتتمكن من الحصول على الوقود.. ويقول عربي: (رغم مآخذ الحكومة الاتحادية على التجارة في السيارات المُهرّبة باعتبارها تمثل مهدداً أمنياً، إلا أنها ساهمت في توفير فرص عمل لشباب الولاية)..!!
:: وعليه، من حيث النهج، لا فرق بين المسؤولين (الثوار) والمسؤولين (الفلول)، إذ هو فقط فرق شخوص وأحزاب.. فالفلول كافحوا تهريب إناث الأنعام بقرار تصديرها، والثوار يكافحون تهريب العربات بما أسموها بالمعالجات، أي توفيق أوضاعها بلوحات المرور المعترف بها (رسمياً).. فالعربات المُهرّبة التي بأوراقها قد تكون (مشتراة)، والتي بلا أوراق حتماً (مسروقة).. ولكن كلها قديمة وتم تهريبها – عبر حدودنا مع ليبيا ومصر – بحيث تكون بلادنا (مكب نفايات)..!!
:: لن تصادر الحكومة هذه العربات المُهرّبة، رغم اعترافها بأنها مُهرّبة.. لن تصادرها، ربما لأن أعدادها أكبر من طاقة الدولة، وأصحابها أقوى من (هيبة الدولة).. أكثر من مائة عربة، حسب تصريح والي شمال دارفور، وهذا تقريباً ثلاثة أضعاف ما تستوردها الشركات – الوكلاء – عبر قنوات الدولة الرسمية.. وتوفيق أوضاع هذا العدد من السيارات المُهرّبة يعني تشجيع الشعب على التهريب، ويعني دعم الحكومة للمهربين وتشجيعها لنشاطهم التخريبي..!!
:: وتوفيق أوضاع هذا العدد من العربات، بجمارك قيمتها مائة ألف جنيه، كما قالت المصادر، يعني تشجيع التهريب بتخفيض جمارك العربات المُهرّبة.. وتوفيق أوضاع هذه العربات المتهالكة يعني ضرب قرار حظر دخول السيارات المستعملة بعرض الحائط، وإهدار الأموال في الاسبيرات.. ولأن كل هذه العربات تم تهريبها بواسطة أفراد، فإن توفيق أوضاعها يعني أن تغض الحكومة طرفها عن تحصيل ضرائب أرباح الأعمال من هؤلاء (المُهرّبين)..!!
:: تأملوا تناقض السلطات في بلادنا.. لجنة حكومية لحصر وتوفيق أوضاع النفايات الليبية والمصرية بحيث تصبح بلادنا (سلة المهملات)، بيد أن ذات الحكومة تمنع المغترب السوداني عن استيراد عربة موديل (2019)، ما لم يأت بالخروج النهائي.. ما يحدث يكشف الهوان والعجز والفساد في أقبح صوره، ولا فرق هنا بين حكومة ما قبل الثورة وحكومة ما بعد الثورة.. من حولنا يتخلصون من نفاياتهم بذكاء، وذلك بتهريبها إلينا، ونحن نهدر أموالنا ونحول بلادنا إلى مكب تلك النفايات بمثل هذه المسماة بالمعالجات..!!
الطاهر ساتي – صحيفة الصيحة