حيدر المكاشفي

الخرطوم عاصمة المقابر الجماعية


يبدو ان اعداد المقابر الجماعية مرشحة للزيادة باستمرار، دعك من المقابر الفردية التي دفن فيها بعض من اغتالهم النظام البائد، فما ان تعلن السلطات عن اكتشاف مقبرة جماعية، الا ويتردد حديث جديد عن مقبرة جماعية اخرى لم يعلن عنها ولم تكتشف بعد، فتاريخ النظام البائد القمعي ووحشيته الدموية مليء بمثل هذه الشواهد، وهو دليل على أن أسهل الطرق التي كان يستخدمها النظام للبقاء في الحكم هي التخلص من الخصوم بقتلهم خارج القانون وبلا محاكمات ودفنهم بليل جماعات وفرادى، هكذا كان النظام المباد يستسهل قتل الخصوم والمعارضين بلا ذرة من انسانية ولا اخلاق ولا دين ودون اعلان ولا تحديد اين دفنوا، ولكن بعد الثورة وازاحة النظام الفاشي الديكتاتوري بدأت تتكشف الكثير من المآسي المفجعة، ويتم اكتشاف بعض المقابر الجماعية بين الحين والآخر، وبدأ الامر باعلان السلطات عن اكتشافها للمقبرة الجماعية التي ضمت رفات ثمانية وعشرين ضابطا من خيرة ضباط الجيش، تم إعدامهم بصورة وحشية بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب فيما عرف بحركة ضباط رمضان ومجموعة الخلاص الوطني قبل نحو ثلاثين عاما، ثم تلا ذلك اعلان السلطات عن اكتشافها لمقبرة جماعية حوت بداخلها رفات العشرات من المجندين من الطلاب فيما عرف حينها بالخدمة الالزامية الذين قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من معسكر تدريب للجيش في ضاحية العيلفون جنوب شرقي الخرطوم عام 1998 لرفضهم الذهاب للحرب في جنوب السودان ولمنعهم من قضاء عطلة عيد الأضحى مع عائلاتهم..
واستمرت كشوفات المقابر الجماعية لتعلن السلطات الاسبوع الماضي، انها عثرت على مقابر جماعية رجحت احتواءها جثامين لمفقودين تم قتلهم خلال وبعد عملية فض الاعتصام القذرة، ولكن بمجرد اذاعة ونشر هذا الخبر، اعلنت مجموعة ما يسمى (انصار هيئة العمليات) وهي الهيئة القتالية التي كانت تتبع لجهاز الامن سابقا (تم حلها وتفكيكها)، ان هذه المقبرة ليست كما اعلن تخص ضحايا من فض الاعتصام، وانما هي لأفراد من هيئة العمليات سقطوا خلال المواجهات المسلحة مع حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم عند غزوها أم درمان في العام 2008، غير ان جهاز المخابرات العامة تصدى سريعا لمزاعم (انصار هيئة العمليات)، ونفى ان تكون المقبرة المعنية تخص افراد من جهاز الامن، وعلى كل حال وأيا تكن هوية هذه المقبرة المكتشفة مؤخرا، سواء كانت تتبع لهؤلاء أو اولئك، تبقى الحقيقة ان مغامرة حركة العدل والمساواة (الذراع الطويل)، قد خلفت ضحايا من الطرفين من القوات الحكومية التي قاتلتها، ومن طرف مجندي العدل والمساواة، وتقول بعض المعلومات ان قتلى حركة العدل والمساواة في تلك المغامرة بلغ 450 قتيلا دفنوا فى مقبرة جماعية واحدة، وبالضرورة يكون الضحايا من القوات الحكومية قد دفنوا ايضا في مقبرة جماعية، وبهذا تتعدد وتتنوع المقابر الجماعية التي لم يعرف بعد عددها بالكامل، ولكن المؤكد ان الخرطوم استحقت ان يطلق عليها عاصمة المقابر الجماعية..

حيدر المكاشفي – صحيفة الجريدة