عبد اللطيف البوني

مسافة بين القلم والعلم

(1 )
المعلوم أن النظام السابق ومنذ 1991 قرر اتباع سياسة اقتصادية تقوم على حرية السوق وإعادة هيكلة الاقتصاد ليتناسب مع الاقتصاد الحر علما أن سياسة الجبهة الإسلامية القومية الاقتصادية كانت أقرب لسيطرة القطاع العام، فالرعيل المؤسس لها نشأ في ظل توهج الدعاوي الاشتراكية و(لن يحكمنا البنك الدولي) المهم في الأمر ان الذين استلموا السياسية الاقتصادية التنفيذية في ذلك العام قرروا قلب هذه الصفحة قناعة منهم بطريق التطور الرأسمالي أو سعيا وراء التمكين الاقتصادي أو توددا وتقربا للمؤسسات المالية العالمية التي كانت تتأبى وتتعالى عليهم . فمهما يكن من أمر فالنتيجة في النهاية واحدة وهو الاتجاه نحو سيطرة القطاع الخاص وبما ان القطاع الخاص في السودان كان ومازال من الضعف بمكان ثم الحصار المفروض على البلاد كانت النتيجة تدهور وتراجع في كل شيء مع إصرار على السياسة المعلنة لأنها كانت خيار الصفر ففي آخر برنامج ثلاثي أعطي القطاع الخاص نسبة 83 % من النشاط الاقتصادي في كافة المجالات الإنتاجية والخدمية.

(2 )
ثم جاءت الثورة المجيدة وحكومتها الانتقالية وقد كانت الروح السياسية السائدة هي الخروج من كافة سياسات النظام السابق وفوق ذلك كانت شعارات الأحزاب اليسارية الاشتراكية هي المسيطرة ، ولكن المفارقة ان الحكومة جاءت في طاقمها الاقتصادي من المدرسة الليبرالية ، السيد البدوي ومجموعته (هبة وأخواتها ) . فأصبح القلم في يد المتنفذين والعلم (الشعارات) في يد دعاة الاشتراكية فكان من الطبيعي ان ينتصر الذي في يده القلم فكانت سياسة التحرير الاقتصادي والصندوق ورفع الدعم وكل الذي منه بينما ظلت أحزاب سيطرة القطاع العام ممسكة بالعلم مع التسكين في بعض وظائف الدولة القيادية لا يحسبن أحد أن هذا خلاف نظري بحت فالواقع يقول بغير ذلك وإليكم الأدلة.

(3 )
المساحة المزروعة قطنا هذا العام أقل من نصف المساحة التي زرعت في العام الماضي لأن شركات القطاع الخاص التي كانت تتعاقد مع المزارعين على زراعة القطن تلقت وابلا من الهجوم من الذين تصدوا لقيادة المزارعين وسوف يظهر أثر هذا الأمر في انخفاض عائدات القطن هذا العام . نحن هنا لسنا بصدد تقييمالزراعة التعاقدية فهذا موضوع سنعود اليه إن شاء الله بكثير من التفصيل قريبا .
ثانيا: طباعة الكتاب المدرسي فقد كانت تقوم به المطابع الخاصة لا بل تتنافس عليه مع مطبعة الوزارة في شكل مناقصات معلنة وبأسعار آجلة دون ان يحس الناس بذلك، ولكن في هذا العام قررت الوزارة عدم إشراك مطابع القطاع الخاص فحدث ما حدث من شحدة وجلائط وفضائح . حتى الخمسة ملايين دولار التي صدقتها وزارة المالية حولت لمطابع العملة المشغولة في الربربة (رب رب رب)، لو حولت لمطابع القطاع الخاص لأنجزت المهمة كلها . ثالثا: الميزانية التي صدقت لتطهير وصيانة القنوات للموسم الشتوي وزارة الري استأثرت بها لشركتها ، المؤسسة العامة للري والحفريات وطردت الكراكات الخاصة علما أن هذغ المؤسسة لا تملك اي آليات تذكر وسترون أثر هذا قريبا عندما ينهض القمح وتكون القنوات في سجمها ورمادها الحالي . هذه ثلاثة نماذج فقط لانقسام القرار بين ليبراليين وقابضين، وهناك الكثير ويكفي ما يحدث للمدارس والمشافي الخاصة من تضييق .
بالطبع لن نستبعد المصالح الخاصة فالحكاية ليست خلاف آيدولوجيا بحتا وهذه قصة أخرى، وهاك يا شلل في الحياة العامة

عبداللطيف البوسني – صحيفة الانتباهة