حسين خوجلي

عزيزتي الجمعة تحيةً واحتراماً


“من محاسن الحسن”
اشتهرت عندنا أقوال سيدنا علي وذاع صيتها وكنت أتمنى أن يجد إبنه الشهيد المسموم الحسن حظه في التوثيق فتوى ونصيحة وأقوال، ولكن غالبا ما تحجبُ سيرة الأباء الكبار سيرة الأبناء الأذكياء الأصفياء.
ومن أقواله رضي الله عنه: (الناس ثلاثة: فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل. فأما الرجل فذو الرأي والمشورة. وأما الرجل الذي هو نصف رجل فالذي له رأي، ولا يشاور. أما الرجل الذي ليس برجل فالذي ليس له رأي ولا يشاور)
. وفي الأخيرة يقول السودانيون ( زول ساكت) أو ( إضينة)
“إثنتان”
ومما كان يعتد به فيما (قل ودل) وصية المنصور لإبنه والتي تصلح لكل أبناء الزمان: (خذ عني اثنتين: لا تقل في غير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير)
“لوزير الداخية وآخرين”
كان أستاذنا يقول: إن من كمال العلم اصطحاب حكمة الأمم وأقوال الحكماء حتى وإن كانوا على غير الاسلام، فالإنسانية خيرٌ وابناؤها أخيار.
وكان عليه الرحمة يستدل بمقولة أردشير بن بابك: (أربعة تحتاج إلى اربعة، الحسب إلى الأدب، والسرور الى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجربة)
أنتبه يا وزير الدخلية إن السرور يحتاج للأمن ونحن في زمان للاسف لا سرور فيه ولا أمان
” لا كفاية ولا حريات .. والعياذ بالله”
كان الأحنف من الذين يؤمنون بتأجيل الديمقراطية حتى تتحقق بعض الشروط التي تجعل الشعب حراً وطليقا من قيود الحاجة ومنها قوله: (لا تشاور الجائع حتى يشبع، ولا العطشان حتى يرتوي، ولا الأسير حتى يطلق، ولا المقل حتى يجد)
ولكأني به يعني أهل السودان فنحن جياع وعطشى وأُسارى وفقراء وحظنا من الديمقراطية بعيد
“سبعة * سبعة”
من الأقوال التي كان يصر أستاذنا الشاعر مهدي محمد سعيد عليه الرحمة أن نحفظها في الشورى والنصيحة مقولة المتقدمين: (سبعة لا ينبغي لصاحب لب أن يشاورهم: جاهل، وعدو، وحسود، ومراء، وجبان، وبخيل، وذو هوى. فإن الجاهل يضل، والعدو يريد الهلاك، والحسود يتمنى زوال النعمة، والمرائي واقف مع رضا الناس، والجبان من رأيه الهرب، والبخيل حريص على جمع المال، فلا رأي له في غيره، وذو الهوى أسير هواه فلا يقدر على مخالفته)
“فهل بقي فينا من تشد له الرحال”
لو قدر لنا أن نسمي هذا الزمان لسميناهو الزمان الذي لا تُشدُ فيه الرحال إلى الرجال، لقد مضت الأيام التي كان الرجال فيها يُقصدون، والكبار فيها يسدون الحاجة، ويقطعون الضيم بمكارم الاخلاق والندى والاحتفاء.
ومن أعجب ما قرأت قصة الرجل الذي شد الرحال إلى المهلب بن أبي صفرة بالعراق تقول الوثيقة الاخلاقية للحدث:
حُكي أن رجلا من أهل يثرب يعرف بالأسلمي قال: ركبني دين أثقل كاهلي، وطالبني به مستحقوه، واشتدت حاجتي إلى ما لابد منه، وضاقت عليّ الأرض ولم اهتد إلى ما أصنع، فشاورت من أثق به من ذوي المودة والرأي فأشار علي بقصد المهلب بن أبي صفرة بالعراق، فلما وصلت دخلت على المهلب فسلمت عليه وقلت له: أصلح الله الأمير أني قطعت إليك الدهناء أي الصحراء، وضربت أكباد الأبل من يثرب، فإنه أشار علي بعض ذوي الحجى، والرأي بقصدك لقضاء حاجتي.
فقال: هل أتيتنا بوسيلة، أو بقرابة وعشيرة. فقلت: لا، ولكني رأيتك أهلاً لقضاء حاجتي فإن قمت بها فأهل لذلك أنت، وإن يحل دونها حائل، لم أذن يومك، ولم ايأس من غدك.
فقال المهلب لحاجبه: أذهب به وادفع إليه ما بخزانة مالنا الساعة، فأخذني معه فوجدت في خزانته ثمانين ألف درهم فدفعها إليّ فلما رأيت ذلك لم أملك نفسي فرحاً وسرورا، ثم عاد الحاجب بي إليه مسرعا فقال: هل ما وصلك يقوم بقضاء حاجتك؟ فقلت: نعم أيها الأمير وزيادة. فقال: الحمد لله على نجح سعيك واجتنابك جني مشورتك، وتحقق ظن من أشار عليك بقصدنا.
“حزب البكريين”
ما ذكر صحابي في فعل الخيرات والصالحات الا كان أبوبكر سابقا وسباقا. فما قرأت في كل كتب السير ما يفوقه فضلا بعد رسول الله. ومن آلاف المواقف اخترت حديث المصطفى في حقه. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من أصبح منكم صائماً؟ فقال: أبوبكر: أنا يا رسول الله فقال رسول الله: فمن أطعم اليوم منكم مسكيناً؟ فقال أبوبكر: أنا قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبوبكر: أنا فقال رسول الله: ما اجتمعن في أحدٍ إلا دخل الجنة)
“ضد الحسد”
ليس طول العمر من طازج الطعام ولا مداومة الرياضة ولا اتقاء السقم فقط، ولكن فيما قاله هذا الاعرابي العجوز الحكيم.
قال الأصمعي: (رأيت اعرابيا بلغ عمره مائة وعشرين سنة. فقلت له: ما أطول عمرك؟ فقال: تركت الحسد فبقيت)
“أخوة السيوف”
ومن أكثر الأقوال والأحداث بلاغةً وحزنا قصة عروة ابن الزبير وهو يطلب سيف أخيه الشهيد عبدالله ابن الزبير من عبد الملك بن مروان.
قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان بعد قتل أخيه عبدالله فطلب منه سيف الزبير وقال له: رده عليّ، فإنه السيف الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم له يوم حنين. فقال له عبد الملك: أو تعرفه؟ قال: نعم، قال: بماذا؟ قال: أعرفه بما لا تعرف به سيف أبيك أعرفه بقول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول) من قرع الكتائب
*فلول تعني (كسور في حده)
“وتبقى سيرة الشهيد ود بدر حزناً لا ينقضي وثأراً لا يُضيع”
خرج الأخ الشريف أحمد عمر بدر من حلقة القرآن بالزنزانة مريضاً، رافضاً في جَلَدٍ وصبر كتابة استرحاما للطغاة أو اعتذاراً للظلمة.
فرفرفت روحه إلى عليائها شهيداً، ليسطر صفحة من المجد تشبه سيرته وسيرة أهله من الأتقياء الأخفياء والفرسان والصالحين. وحين بلغني الخبر المحزن تأسيت ما بعد القرآن بأبيات المتنبي:
الحُزنُ يُقلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَردَعُ
وَالدَمعُ بَينَهُما عَصِيٌّ طَيِّعُ
يَتَنازَعانِ دُموعَ عَينِ مُسَهَّدٍ
هَذا يَجيءُ بِها وَهَذا يَرجِعُ
***
المَجدُ أَخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفقَةً
مِن أَن يَعيشَ لَها الكَريمُ الأَروَعُ
وَالناسُ أَنزَلُ في زَمانِكَ مَنزِلاً
مِن أَن تُعايِشَهُم وَقَدرُكَ أَرفَعُ
**
مَن لِلمَحافِلِ وَالجَحافِلِ وَالسُرى
فَقَدَت بِفَقدِكَ نَيِّراً لا يَطلَعُ
وَمَنِ اِتَّخَذتَ عَلى الضُيوفِ خَليفَةً
ضاعوا وَمِثلَكَ لا يَكادُ يُضَيِّعُ
قُبحاً لِوَجهِكَ يا زَمانُ فَإِنَّهُ
وَجهٌ لَهُ مِن كُلِّ قُبحٍ بُرقُعُ
**
أَبقَيتَ أَكذَبَ كاذِبٍ أَبقَيتَهُ
وَأَخَذتَ أَصدَقَ مَن يَقولُ وَيَسمَعُ
وَتَرَكتَ أَنتَنَ ريحَةٍ مَذمومَةٍ
وَسَلَبتَ أَطيَبَ ريحَةٍ تَتَضَوَّعُ
**
وَعَفا الطِرادُ فَلا سِنانٌ راعِفٌ
فَوقَ القَناةِ وَلا حُسامٌ يَلمَعُ
وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنادِمٍ
بَعدَ اللُزومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ

حسين خوجلي – صحيفة الانتباهة