حيدر المكاشفي

انكسر المرق


حيدر المكاشفي
�نظمت شاعرة شعبية سودانية ابياتا من الشعر الشعبي بالعامية السودانية ترثي فيها واحدا من العظماء، يقول احد مقاطعها (انكسر المرق واتشتت الرصاص..انهدم الجبل وينو البلم الناس)، واصبحت ابياتها هذه من أشهر المناحات التي تردد حتى اليوم، والمرق فى الثقافة الشعبية هو العود الضخم والأساسي الذي يمثل العمود الفقري لسقف الغرفة، و(الرصاص) هو بقية الاعواد الصغيرة التى تستند على (المرق)، ولو انكسر المرق تكون الغرفة مهددة بالانهيار الكامل، ان لم يسارع اهلها لاسناد السقف باعواد ودعامات اخرى لحين تدبر امرهم وتوفير مرق آخر، وعملية تغيير المرق وأحلاله بآخر تحتاج لبذل مجهود كبير تنهض به مجموعة ذات قوة وعزيمة واخلاص وتعمل كفريق واحد حتى لا ينهار سقف المنزل على رؤوس الجميع، والامام الصادق المهدي (رحمه الله) كان (مرق) هذه البلاد، وبوفاته فقد السودان احد دعاماته الاساسية واعمدته الفقارية التي لا تعوض، فشخصية مثل شخصية الامام الصادق قل ان يجود بها السودان، وسيظل علامة فارقة فى تاريخنا الوطني بجهده وبذله ومجاهداته وعطائه المنداح في المجالات كافة، وهو لهذا قد تبوأ مقعده بين العظماء ليس فى السودان فحسب بل فى العالمين العربى والافريقي والعالم الاسلامي، وكما يقولون عند رحيل عظيم من العظماء تنقص الأرض من أطرافها، فان ارضنا قد نقصت برحيل الامام الصادق، وانطفأت منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع العالمين، وانفطرت لموته القلوب، لكونه من حماة الأمة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها التي ترتفع بها إلى مصاف الأمم الخالدة ذات الإسهامات الكبرى في حياة مواطنيه اولا ومن بعد البشرية..
لست هنا في وارد كتابة مرثية أو نعي للامام احاول فيه الاحاطة ببعض فضائله ومناقبه ومواقفه، فذلك مما يبرع فيه ويجيده آخرون بأفضل مما افعل، كما ان من سبقوني كانوا قد كتبوا عنه ولم يستبقوا شيئا، غير انني هنا فقط لأقول بالفم المليان انني لا اعرف سودانيا صميما وقحا في سودانيته مثل الامام الصادق، فهو افضل من يمثل الشخصية السودانية الحقة ويتمثلها، والا فليدلني احد على شخص سوداني متبحر ﻓﻲ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻻﺩﺏ ﺍﻟسوداني مثل الامام الصادق المهدي، وليشر لي آخر عن سوداني يتفوق على الامام الصادق في المامه بالتراث الشعبي السوداني بمختلف مناطقه واثنياته وله معرفة باللهجات المختلفة مثله، ﻭﻟﻌﻞ ﻣﺮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻔﺮﺩ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ، تعود ﺍﻟﻰ ﺗﺸﺒﻌﻪ ﺑﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻬﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ انطلقت من الاطراف والهوامش السودانية التي شكلت ﺍﻟﻤﻬﺪ ﺍﻟﺤﺎﺿﻦ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﺒﺆﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻨﻬﺎ، فقد ﻛﺎﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﺒﺮﻉ ﻓﻲ ﺿﺮﺏ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺪﺍﺭﻓﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺩﻓﺎﻧﻴﺔ، ﻫﺬﺍ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﺘﻌﺎﻧﺘﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎً، ومعروف عن الإمام الصادق المهدي أنه ليس راو للطرائف والملح والنكات والأمثال والحكايات الشعبية فحسب، بل ﻭﻣﺆﻟﻒ ﻟﻬﺎ، ويعتبر مرجعا فيها (ديكشنري الشعبيات السودانية)، بما يمتلكه من ذخيرة واسعة من مفردات وأمثال وحكم وحكاوي وأحاجي وغلوتيات شعبية، ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻔﻮ ﺍﻟﺨﺎﻃﺮ ﻫﻜﺬﺍ (ﻗﻄﻊ ﺃﺧﻀﺮ) ﻭﻟﻴﺪة ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ.. كما كان منفتحا على الجميع من كل الأطياف وكل الأعمار، وبقول واحد كان الامام مهما اختلفت معه من نوع البشر الذي يألف ويؤلف (ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)..وفي الختام لا اجد ما اقوله سوى رحمك الله ايها الامام والهم ابناء الشعب السوداني قاطبة الصبر والسلوان (انا لله وانا اليه راجعون).

حيدر المكاشفي نصحيفة الجريدة