عبد اللطيف البوني

سيد صادق، مشروع لم يكتمل

(1)
الحمد لله على ما أعطى والحمد لله على ما أخذ، الحمد لله الذي أمد وبارك في عمر الإمام السيد الصادق المهدي ليقدم لوطنه وأمته ذلك العطاء الثر. عادة عندما يتوفى المولى شخصا وهو في عمر الإمام يكون ذلك الشخص قد ادى دوره في الحياة وقدم ما يمكنه تقديمه ولكن السيد الصادق رحل فجأة وهو في قمة عطائه لا بل رحل وهو يقدم في أهم وصفة من الوصفات السياسية لبلد في غاية الاجهاد وفي أمس الحاجة لتلك الوصفة. رحل السيد الصادق وهو ينضم في حبات العقد الاجتماعي الذي يطرح فيه تصوره لما يجب أن يكون عليه هذا الوطن. رحل السيد الصادق وهو يقدم وصفة مستخلصة من تجربته الطويلة تلك التجربة الممهورة بالدم والدموع تجربة محروسة بالحب والتفاني والاخلاص والتسامح. تجربة مستلة من الفكر والممارسة والمراقبة والاطلاع. تجربة جمرتها نار الليبرالية وانضجها لهيب العسكرية.رحل السيد الصادق وفي باله الكثير وفي كفه المنير وفي شفتيه المثير.
(2)
عاش السيد الصادق مسيرته السياسية في كبد من مهدها الى لحدها لقد دخل عالم السياسة من بوابة شائكة فقد وجد جيل التحرر الوطني مزهوا بما انجز من استقلال نافخا بما رفع من علم، خاليا من برنامج عملي. لقد اكتفوا بالتحرير ولم يفكروا في التعمير فجاء السيد الصادق بسنواته الثلاثين ليضع رجله مباشرة في عتبة التعمير فقدم برنامجا جديدا سعى به الى طى صفحات ذلك الجيل وقيادة البلاد نحو التنمية والتقدم فادخل مفردات جديدة في قاموس الحياة السياسية السودانية مثل السندكالية والانبغائية (ما ينبغي ان يكون عليه الحال) ومؤتمر القوى الجديدة ولكنه ووجه بحرب فاجرة لاهوادة فيها من الكبار يومها، من الحزب الآخر ومن العقائديين والامميين ومن داخل حزب الامة ومن بيت المهدي. ان الفترة (1965 -1969) كان حصانها الاسود السيد الصادق عانى فيها ما عانى وضحى فيها تضحية تهد الجبال وصلت الى حكومة تحت ظل شجرة وسقوط في دائرة الجبلين قي انتخابات 1968
(3)
ثم جاءت مايو بحمرتها وخضرتها وسوادها فقاومها السيد الصادق وحاربها وصالحها وكجنها فذاق سجونها ومنافيها ومشافيها وكانت انتفاضة ابريل فظهر بعدها السيد الصادق كالرمح الملتهب فكان الاول تاركا مسافة كبيرة بينه وبين الثاني ولكنه لم ينفرد بحكم البلاد فكان الائتلاف المعطوب فبذل غاية الجهد لتوحيد الصف للخروج بالبلاد من وهدتها ولكنهم لم يطاوعوه فاصبح مثل سيزيف محتضنا صخرة الوطن ساعيا بها بين القاعدة والقمة دون ان يتمكن من وضعها الى ان جاءت الانقاذ فكانت رحلته معها رحلة الاسى والتشفي قاومها وحاربها وهادنها فسجنته وعذبته وغربته وكرمته ولكنه لم يتبدل ولم يتغير ظل ممسكا بطلبه منها وهو العودة الى الشعب وطرح لها الخطط لتهبط بسلام ولكنها صعرت خدها وكابرت وكانت ديسمبر المجيدة ورغم سهمه الكبير فيها الا انه تعرض للجحود والنكران ومع ذلك لم تفتر همته ولم تفل عزيمته ولم يتضعضع تسامحه وظل يقدم في اطروحات النجاة الى ان داهمه الوباء العالمي ورحل وفي نفسه الكثير. رحل والامل فيه كبير فاللهم تقبله عندك قبولا حسنا. اللهم اكرم نزله وطيب مرقده. هذا هو الصادق السياسي ورجل الدولة اما الصادق المفكر الاديب المثقف فدونكم كتبه ومكتبته.

عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني