حيدر المكاشفي يكتب البرنااااامج…البرنااااامج
في الأخبار أن المعنيين في قوى الحرية والتغيير وأطراف عملية السلام بالجبهة الثورية بتقديم ترشيحات لشاغلي المناصب الدستورية وفقا لحصة كل منهما، عاكفين هذه الأيام لانجاز هذه المهمة باختيار الشخصيات التي تتوافق عليها كل جهة لشغل المنصب المعين فى الوزارة الجديدة المزمع اعلانها قريبا، ولكن للأسف لم يرشح من الجانبين ما يفيد بعكوفهما على التوافق على برنامج محدد لتضطلع بتنفيذه الحكومة المرتقبة، رغم ان اكثر ما أضر بالحكومة القائمة حاليا وأدخلها في حالة من الارتباك والاضطراب كان هو تقاطع واختلاف رؤى مكونات الحاضنة السياسية التي كانت تحتضن هي نفسها عددا كبيرا من ذوي التوجهات والاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة، الأمر الذي جعل الحكومة خالية الوفاض من سياسات وبرنامج (حد ادنى) متفق عليه في كل المجالات، ما أدى في المحصلة الى اضعافها وتوهانها بل ومجابهتها لمعارضة قوية من بعض اطراف حاضنتها، ولهذا كان الأولى والأهم برأينا المتواضع ان تولى الأهمية القصوى للبرنامج المتفق عليه بأكثر من الاهتمام بالشخصيات.. واذا ما أريد للتركيبة الحاكمة القادمة ان تحدث تغييرا كبيرا كما يقال، عليها مبدأ ان تتعظ من كل الاخفاقات التي وقعت فيها الحكومة السابقة، وأول وأهم هذه العظات هو بلاشك تقاطع وتناقض الرؤى والاهداف بين قوى الائتلاف الحاكم، وهذا ما يفرض عليها ان تعمل أولا على توحيد الرؤية والهدف، فان لم تتوحد الرؤية والهدف فلن تعدو الحكومة الجديدة أن تكون سوى تكرار للسابقة، وبالطبع لن تتوحد الرؤية والهدف الا عبر برنامج وسياسات متفق عليها فى كل المجالات، فالبرنامج يكون بمثابة العقد الذى هو قانونا شريعة المتعاقدين، ويتعرف من خلاله المواطنون على مايدور في ذهن الحاكمين، ويتعرفون من خلاله ايضا على مدى إحساسهم وقربهم منهم ومن قضاياهم، فالمواطنون باتوا يملكون وعيا أكبر من أي وقت مضى، ولم يعد لديهم أي استعداد أن يوقعوا (شيك على بياض) لأي وجه جديد كان أو سابق، والوجه السابق اذا ما عاد مجددا تكون معركته في الإقناع أصعب من الأول، اذ يحتاج لأن يثبت نفسه مرة أخرى للمواطنين. وتكمن أهمية البرنامج في أنه يكون المقياس الذي يتم على أساسه مطابقة ما تعهدت به الحكومة مع ماتحقق بالفعل وتولت تنفيذه، فبدون البرنامج يكون من الصعب بمكان أن تتم محاسبة الحكومة أو التعرف على مدى جدية أدائها من عدمه. فمن خلال البرنامج يمكن إما إثابة الحكومة والثناء على حسن سيرها على خطى ماتعهدت به، أو معاقبتها ولومها على عدم تحقيقها لتعهداتها حد التظاهر ضدها بل والاطاحة بها. فالبرنامج ليس حقا للمواطنين فقط، وإنما هو قبل ذلك حق الدولة السودانية في أن تكتشف عقول أبنائها، والا يتقدم لخدمتها الا كل مؤهل استعد جيدا وأفصح عن نواياه وأرهق ذهنه في تحديد أولويات الحكم..
حيدر المكاشفي – صحيفة الجريدة