الطريق إلى البرلمان
البرلمان كهيئة تشريعية رقابية هو خلاصة تجربة إنسانية طويلة تهدف للمشاركة في الحكم، ولما كان مستحيلا ان يشترك كل الشعب اشتراكا مباشرا في الحكم كان لابد من أن يختار الشعب نائبا عنه وممثلا عنه . قد يحدث في التمثيل والإنابة انحرافا ما او سيطرة طبقية ولكن حتى الآن هي الخيار الأمثل أو أقل الخيارات سوءا . طبعا الأصل في البرلمان ان يكون منتخبا , ولكن ولعوامل طارئة ظهرت البرلمانات المعينة اي برلمانات بدون انتخابات فهي حتما لا تمثل الشعب ولكن قد تعطي صورة للتمثيل و(الصورة ما تبقى أصل) ولكن قد توسع دائرة الحكم وقد تفرز نوعا من الرقابة على الحاكم.
(2 )
بعد الرمية دي خلونا ندلف مباشرة لوضعنا الحالي في السودان، فثورة ديسمبر المجيدة لم تأت بغتة بل (كانت في أمتنا منذ الأزل) كما وصف شاعرنا المجيد محمد المكي إبراهيم ثورة اكتوبر ولكن قيادتها هي التي تبلورت فجأة وقد داهمها الحكم وهي في حالة الحلم لذلك جاءت كل قراراتها فطيرة وشكلت حكومة (أفطر) فلو قرأت الطاقة الثورية الهائلة التي فجرتها الثورة جيدا، لما ترددت في اللجوء للشعب في أول ستة شهور فكان سيكون لدينا برلمان عينة وبالتالي حكومة (أعين)، بعبارة اخرى كان ينبغي تقليص الفترة الانتقالية الى أقل من السنة التي حدثت في المرتين السابقتين اكتوبر 1964 وأبريل 1985 الى ستة شهور لأن هذه الثورة الأخيرة كانت ثورة شعبية بحق وحقيقة بينما الثورتان السابقتان كانتا أقرب للصفوية والنخبوية وهذا راجع لطبيعة الحكم السابق للثورات الثلاث وهذه قصة اخرى، فالكتلة الثورية الهائلة كان يمكن تحويلها الى كتلة انتخابية لتفرز حكومة ثورية منتخبة ولكن الذين تصدوا لقيادة الثورة رجعوا للدفتر الذي كتبوه قبل الثورة فخرجوا بالفترة الانتقالية الطويلة المملة التي نعيشها الآن.
(3 )
حتى بعد رجوعهم لدفتر ما قبل الثورة لم يحسنوا قراءته رغم أنهم وضعوه بأنفسهم فقد كان مقررا أن يقوم مجلس سيادي تشريفي ومجلس وزراء تنفيذي ومجلس تشريعي معين فكان يمكن ان يبدو بالمجلس التشريعي في لحظة الزخم الثوري ويكونوه من شخصيات وطنية مرجوه ويسندوا له تكوين بقية الهياكل. بالمناسبة حزب الأمة كانت لديه قائمة شخصيات وطنية جاهزة كان يمكن إخضاعها للجرح والتعديل ولكن للأسف لم يتم الالتفات اليها لو فعلوا ذلك لكان التعيين مقبولا لانه جاء محمولا على أجنحة ثورية، لكن للأسف (الجماعة) ذهبوا مباشرة للحكومة فحدث (ما حدس ) وليتها كانت حكومة تملأ (عين الثورة) . ثم ظهر الصراع العسكري المدني داخل مكونات الحكم أما البعد الخارجي فقد كان واضحا جدا في التطورات السياسية هل نذكر السفير الذي كاد يتحول الى حاكم عام ولا نعتبره زول خفيف ساكت وهناك الأكثر منه نفوذا لكنه (لابد) اي مختفي ؟ ثم ظهرت بدعة انتظار السلام إذ كان يجب على الذين كانوا يحملون السلاح ان يأتوا من اول يوم للخرطوم ليكونوا ضمن النسيج الثوري، أما قاصمة الظهر فكان سوء الأداء الحكومي وعدم إيقافه لعجلة التدهور في كافة الصعد. كل هذا بدد الطاقة الثورية وأشاع روح الإحباط , لهذا يصبح الآن تعيين مجلس تشريعي (برلمان) مخاطرة غير مأمونة العواقب , وهذا الذي نحاول أن نثبته غدا إن شاء الله ولكن نختم بالقول إن تطبيق أي فكرة فات أوانها يجعل الناتج مسخاً مشوها .
عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني