الطاهر ساتي يكتب : حكمة الشجعان..!!
:: المجد والخلود لشهداء قواتنا المسلحة، وعاجل الشفاء للجرحى بإذن الله.. فالقضية التي أجبرت جيشنا على خوض المعارك على الحدود الإثيوبية (قضية عادلة)، ولذلك يقف معه الشعب في (خندق واحد)، وهو خندق الدفاع عن البلاد واسترداد أرضها من المليشيات الإثيوبية.. فالفطرة السليمة للإنسان ترفض الحرب، ولكن دفاعاً عن الأرض فهي (حرب عادلة)، أي – رغم أنها سيئة – ليست دائماً الخيار الأسوأ..!!
:: ومع دعم قواتنا المسلحة حتى تفرض سيطرتها على كامل حدود بلادنا، يجب التذكير بأن متاعب الحدود مع إثيوبيا ليست وليدة اليوم، بل هي متاعب قديمة، ومتجددة بين الحين والآخر.. ولذلك، مع حسم تفلتات المليشيات المعتدية على أراضينا (الشفتة)، فإن تناول هذه القضية – سياسياً وإعلامياً – بحاجة إلى بعض (حكمة الشجعان)، حتى لا نجر البلدين إلى ما لا يريدها الشعبان الشقيقان .. لا تُوجد خلافات حُدُودية ما بين السودان وإثيوبيا، فهذه من الحقائق..!!
:: ومنطقة الفشقة – الشاهدة على معارك الاسترداد – ليست بمنطقة نزاعٍ بين البلدين، بل هناك اتفاق على المرجعيات والخرائط، ولم تزعم الأنظمة التي تعاقبت على حكم إثيوبيا بتبعية هذه المنطقة، أو كما تزعم الأنظمة المصرية بتبعية مثلث حلايب رغم أنف وثائق التاريخ وقبائل الحاضر.. ومتى ما اكتملت عمليات رسم الحدود ووضع العلامات، فليس هناك ما يمنع بلادنا وإثيوبيا عن تحويل أرض الفشقة إلى نواةٍ للاستثمار المشترك، بحيث يكون العائد حدوداً مثالية تساهم في استقرار مجتمعات البلدين..!!
:: نعم، مع تأمين وحماية حدود بلادنا بجنودنا البواسل، علينا الإيمان بأن دبابات الجنود وحدها لا تكفي لهذا التأمين.. بالمشاريع تنتعش الاقتصاد وتستقر المجتمعات، والمجتمعات المستقرة هي أقوى وسائل تأمين الحدود.. والأرض المنسية – كما المال (السايب) – تعلِّم الآخرين (السرقة)، وهذا ما حدث.. نعم، ما تمددت المليشيات الإثيوبية في الفشقة، والقوات المصرية في حلايب، إلا لأن الأرض السودانية في هاتين المنطقتين (سايبة)، أي ليست غير محمية بالمجتمعات المستقرة..!!
:: حدودنا مع أفريقيا الوسطى هي النموذج الذي يجب أن تكون عليه حدودنا مع إثيوبيا في منطقة الفشقة.. فالحدود الجغرافية التي شكّلتها الطبيعة مع أفريقيا الوسطى في منطقة أم دافوق (حدود وهمية).. فالمواطن ينتمي إلى البلدين بالتصاهر وتبادل المصالح، والكل تجمعهم مناسبات السراء والضراء، ثم الأسواق والمراعي.. ومصالح المجتمع – بالسودان وأفريقيا الوسطى – هي التي تحفظ حدود البلدين من معكرات صفو السلام والأمان والتعايش..!!
:: فالحدود المثالية – التي ترسمها المصالح المشتركة بين دول الجوار- هي التي تساهم في استقرار المجتمعات وترفع معدلات إنتاجها وتجارتها وتصاهرها، وبها تطوي الدول ملفات الحرب والنزوح والتهريب وغيرها من متاعب الحدود.. وعليه، ليس فقط في منطقة الفشقة، بل حدود بلادنا – مع كل دول الجوار – يجب تحويلها إلى (حدود مصالح)، بحيث تعبرها طرق الأسفلت والسكك الحديدية لتبادل المنافع، وتحل مشاريع الإنتاج محل الجيوش..!!
الطاهر ساتي-صحيفة الصيحة