التحالفات الناجحة … والمعوقات الراجحة
نشرت مجلة “هارفارد لإدارة الاعمال” ذات مرة عددا خاصا عن التحالفات الاستراتيجية الناجحة في مجال التجارة والصناعة. خلصت في ذلك العدد الى نموذج يعتمد على ثمان ركائز. ونسبة لاهتمامي بالتحليل النماذجى، فقد قمت أولا بترجمة الجزء الاساسي من البحث بشيء من التصرف، وقمت ثانيا “بترحيل” ذلك النموذج من مجال التجارة والصناعة الى مجال السياسة، ثم قمت ثالثا “بترحيله” الى مجال السياسة السودانية، فجعلته مدخلا لتحليل وتقويم الشراكة التي ابرمت عام 2005 بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بموجب اتفاقية نيفاشا. لقد دلني النموذج على أن نسبة نجاح تلك الشراكة قد تبلغ 50%، كما دلني على أبرز العوامل التي ستؤدى الى فشل الشراكة. ثم كان ما كان من فشل في الشراكة، ومن انفصال للجنوب، ومن سقوط لحكومة الإنقاذ.
على أن ما يحدث الان من شراكة مضطربة بين قوى الحرية والتغيير (قحت) وبين المجلس العسكري، وما يتبلور من شراكة جديدة بين هذين الشريكين والحركات المسلحة التي وقعت على اتفاقية جوبا في أكتوبر الماضي، يدفعني مرة ثانية لاسترجاع النموذج، ولاتخاذه مدخلا لتحليل هذه الشراكة الثلاثية شديدة التعقيد، ولتحديد عوامل نجاحها وفشلها، وللتأشير عليها حتى لا يقودنا هؤلاء السياسيون الجدد من فشل الى فشل. ولكن دعني أطرح أمامكم أولا الركائز الثمان التي يتكون منها نموذج الشراكة الناجحة:
1: تميز فردى: بحيث يكون أي من الشريكين قويا في ذاته، ولديه ما يمكن أن يثرى به الشراكة. ولا يتأتى ذلك إلا بأن تكون دوافعهما للدخول في الشراكة دوافع إيجابية، تسعى نحو فرص مستقبلية، وليست دوافع سلبية تهدف لتغطية العجز، أو للهروب من موقف صعب؛
2- الأهداف: أن تكون الشراكة متناغمة مع الأهداف الاستراتيجية العليا للشريكين، وانهما يسعيان بصدق وجد لدفع الشراكة الى الامام، والعمل على استمرارها؛
3- التعاضد المتبادل: أن تكون الشراكة نابعة من إدراك الشريكين لحقيقة أن كلا منهما يحتاج الى الآخر، وأنهما يملكان مهارات وإمكانات تكاملية، وأنه لا يكون لأحدهما بمفرده أن ينجز ما ينجزاه معا؛
4- الاستثمار في الآخر: أن يعمل كل من الشريكين على الاستثمار في الآخر؛
5- المعلومات: أن تكون قنوات الاتصال مفتوحة على الدوام بين الشريكين، فيتبادلان المعلومات المطلوبة لاستمرارية الشراكة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بأهداف كل منهما. والمعلومات الفنية التي يملكها، ومعرفته بالأزمات والاشكالات المتوقعة، والتغيرات المحتملة في البيئة المحيطة؛
6- التكامل: أن يعمل الشريكان على تطوير علاقات وطرائق للعمل المشترك، وأن يقيما علاقات عديدة بين اتباعهم عبر مستويات تنظيمية عديدة؛
7- التأسيس: أن تكتسب العلاقة شكلا رسميا بمستويات محددة، وإجراءات واضحة لصناعة القرار، وأن تمتد العلاقات الى أبعد من مستوى القيادات العليا؛
8- الثقة: أن يتصرف الشركاء نحو بعضهم البعض بطريقة نبيلة، ترسخ الثقة بينهما، بحيث لا يسعى أحدهما لاستغلال الآخر، او ابتزازه، أو إساءة استخدام المعلومات التي يحصل عليها ليقوض مكانته.
وبعد؛ فأي نسبة من النجاح يمكن، وفقا لهذا النموذج، أن تنال الشراكة الثلاثية الراهنة في السودان؟ وما هي أكثر العوامل المرشحة لإحداث الفشل؟ إني لا أملك بعد القراءة المتأنية للنموذج ولأوضاع الشركاء الثلاثة الا القول بأن نسبة النجاح قد تبلغ 50%، قابلة للزيادة. أما أسباب الفشل فتعود جميعها الى النقاط الأربع الأخيرة في النموذج. الجدير بالذكر أن هذه النقاط ذاتها قد أدت الى فشل الشراكة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني من قبل. على أن هناك من قد يرى أن هذه شروط مثالية-نظرية لا يكن تطبيقها على الواقع، ولكن النموذج في أصله لا يعدو أن يكون خريطة نظرية، لا تتطابق مع الواقع في كل التفاصيل ولكنها تؤشر على العلامات التي لابد ملاحظتها لتجنب التيه. فلئن تكن لديك خريطة تقريبية خير من أن تسير خبط عشواء، تخرج من حفرة لترتطم بأخرى، لا تدرك مقومات الشراكة فتعززها، ولا تعرف أسباب فشلها فتتداركه.
أما إذا قام نفر من أصدقاء هذه الصفحة بالتطوع لاختبار هذا النموذج، وذلك بتطبيقه على حالة تحالف سياسي يعرفونه، فقد نتعلم منهم شيئا عن أسباب فشل التحالفات السياسية (أو نجاحها) في محيطنا العربي والأفريقي. وبهذه الطريقة قد نستفيد جميعا، وتتحول الصداقة الى نوع من “الشراكة العلمية” النافعة. وما أوتينا من العلم الا قليلا.
التجاني عبد القادر حامد
19 ديسمبر 2020