وللتاريخ أنياب
(1 )
قال الرئيس الفرنسي الأشهر الجنرال شارل ديجول للزعيم الصيني الكبير ماو في ذات لقاء مباشر بينهما في ستينيات القرن الماضي إن الثورة الفرنسية هي التي غيرت وجه البشرية بإشاعتها للحرية والإخاء والمساواة فرد عليه ماو بالقول إن الثورة الفرنسية لم تكمل القرنين بعد فيجب التريث وعدم إطلاق أحكام على آثارها . عندما يرى ماو أن كل هذه الفترة ليست كافية فهو يضع في ذهنه كونفشيوص الذي مضى على فلسفته اكثر من خمسة آلاف سنة ومازالت تتفاعل . نحن الآن في زمن يتسم بالعجلة والتسرع فنكتفي بالحكم على الاحداث يوم وقوعها علما بأن آثارها سوف تمتد معنا لزمن قد يطول. وخطورة الأحكام النهائية المتعجلة انها تحرمنا من القراءة المتأنية التي تحيط احاطة كاملة بأبعاد الواقعة وقد ينجم عن هذا ظلم واضاعة للحقوق. علينا أن ندرك أن احداث اليوم هي تاريخ الغد والتاريخ هو المنصة التي يطل منها الانسان على نفسه. علينا أن ألا نسمح بوجود شيء اسمه سلة النسيان نضع فيها الاحداث والوقائع التي عشناها.
(2 )
بعيدا عن التجريد دعونا نأخذ العقوبات الامريكية التي عشناها لاكثر من ربع قرن من الزمان اذ لا يمكن الاحاطة بكل أبعادها الآن لانها ما زالت تتفاعل فقد اضاعت اجيالا من عمر السودان بالطبع مع عوامل اخرى وسببت عاهة مستدامة لنمو السودان وكل الذي نتمناه هو تطوير الدراسات التي كتبت في هذا الأمر وتتبع هذه الاضرار وآثارها الحالية والمستقبلية ثم مطالبة الامريكان بجبرها ولو بعد قرون من الزمان فاذا كان الذين انشأوا الرابطة الافريقية في اربعينيات القرن الماضي مثل وليم قارفي وديبوا طالبوا الولايات المتحدة وكل الغرب الاوروبي بدفع تعويضات عن تجارة الرق التي مارسوها ضد الافارقة منذ القرن السادس عشر الى بداية القرن العشرين ثم قادة التحرر الافريقي من امثال كوامي نكروما وجوموا كينياتا طالبوا اوروبا بدفع تعويضات عن العملية الاستعمارية التي مارسوها ضد افريقيا فعلينا توعية اجيالنا القادمة في السودان بما فعلته بنا العقوبات الامريكية ليطالبوا بالتعويضات التي تجبر الضرر.
(3 )
إن العقوبات الامريكية على السودان والتي استمرت زهاء ثلاثة عقود امتداد طبيعي لتجارة الرق وللاستعمار المباشر اللذين اصابا القارة الافريقية بعاهة مستدامة وانها دون شك حلقة من حلقات القهر والتسلط الغربي وحكم القوي على الضعيف . لئن كانت تجارة الرق كلفت النخاسين (تجار الرقيق ) بعض الارواح فالاستعمار هو الآخر كان فيه ثمن من جانب المستعمِرين (بكسر الميم الثانية) فإن امريكا مارست عقوباتها علينا بدون اي تكلفة من جانبها وبالتالي يمكن ادخالها في علم العلاقات الدولية باسم (السيطرة بتكلفة صفرية) زيرو كوست zero-cost
(4 )
نحن حتى الآن لم نخرج من ربقة العقوبات الامريكية خروجا كاملا ومازلت امريكا تملك ادوات السيطرة علينا لا بل مازالت مترددة في اطلاق سراحنا ولكن بما أن التفاوض معها ما زال مستمرا يجب على المفاوض السوداني أن يلفت نظر الجانب الامريكي إلى أن عقوباته علينا قد شكلت حلقة مهمة ومظلمة من تاريخ السودان المعاصر وأن الاجيال القادمة سيكون لها موقف منها ومن الخير للامريكان أن يبدأوا في جبر الاضرار التي أحدثوها بنا منذ الآن لعل هذا قد يخفف عليهم من سخط الأجيال القادمة وحكم التاريخ … بالله ما في زول يقول لى (يا حلاة دقدق ) أو بلغة شباب اليوم (اكسر الحنك يا عمك ).
عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني