الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب : معاول الحياة..!!

:: هي حكاية يونانية، وتروقني كثيراً.. وكما تعلمون، فإن أهل اليونان يتقنون الحكي ذات المغزى.. ومنها أنّ مزارعاً امتلك حصاناً، وكان يتباهى به.. وذات يوم وقع الحصان في بئر عميقة وجافة، وظل يجهش بالصهيل الحزين الناتج عن ألم الارتطام بقاع البئر، ثم يرسل أنيناً يفطر القلوب ويمزق الأكباد.. وظل المزارع يجتهد في التفكير، لينقذ حصانه من البئر، ولم يفلح..!!

:: ثم فجأة شرع يفكر في أمر آخر.. إنقاذ الحصان لم يعد مهماً، خاصة وأنه صار عجوزاً، وغير قادرٍ على العطاء، ثم إن البئر جافة منذ زمن طويل، وهي بحاجة إلى الردم والدفن، وليس له تكلفة دفنها وردمها، وهكذا ذهب التفكير بالمزارع إلى اتجاه آخر، أي إلى التخلص من الحصان ثم ردم البئر بما فيها، وهو الحصان.. واستنجد بجيرانه، طالباً منهم مد يد العون والمساعدة في دفن البئر بحصانها..!!

:: بدأ الجميع الحفر وجمع التراب وإلقائه في البئر بجد واجتهاد.. وتأثر الحصان في بادئ الأمر بما يفعلون، حيث أخذ في الصهيل بصوت عالٍ وحزين.. ولكنهم لم ينتبهوا لصهيله الحزين، ولم يكترثوا لوجعه الخرافي، ولم يبالوا لحياته الغالية، فقط المطلوب منهم هو دفنه حياً ليموت وتُدفن البئر الجافة.. وبعد زمن طويل من صب التراب في البئر، انقطع صهيل الحصان، فذهب بهم الظن إلى أنه نفق تحت ركام ترابهم..!!

:: وليتأكدوا من ذلك، انحنى أحدهم لينظر إلى ما يحدث في جوف البئر، وصعقه المشهد.. رأى الحصان واقفاً ويهز ظهره كلما سقطت عليه أتربة المزارعين، فتنزل الأتربة من ظهره على أرض البئر، ليقف عليها ويرتفع خطوة للأعلى.. وهكذا استمر الحال العام.. هم يلقون بالتراب في البئر، فيقع التراب على ظهر الحصان، ليهز ظهره، ويقع التراب على الأرض، ويقف عليه بحيث يرتفع خطوة نحو سطح البئر..!!

:: وقبل اكتمال دفن البئر، قفز منها الحصان برشاقة إلى السطح، وغادر معاول الحفر والردم وهو يهز ظهره لينظفه من تراب تلك المعاول، ثم أصبح حراً طليقاً.. انتهت الحكاية، ولكن حياة الناس لم تنتهِ، وهي المستهدفة بهذه الحكاية.. فالناس في الحياة كما حال ذاك الحصان.. أي دائماً ما تلقي معاول الحياة على ظهورهم بالأوجاع والأحزان.. ولكن، لكي تعيش حراً طليقاً، عليك أن تفعل كما فعل ذاك الحصان المثابر..!!

:: بالمثابرة هزم الأوجاع وأنقذ نفسه من البئر.. وعليه، لا تقلق مهما كان واقعك مُزعجاً، ولا تستسلم لليأس مهما كان قاع ظرفك مُظلماً.. وتعلم نفض أتربة الآلام والأوجاع من ظهر قلبك، لترتفع – بروح المثابرة – خطوة تلو الأخرى نحو الهواء الطلق.. نعم، وأنت مقبل على عام جديد، لا تلتفت إلى أحزان وآلام عام مضى، بل أنفض عن ظهر قلبك الحزن والألم، وعن باطن عقلك التوجس والإحباط..!!

:: استقبل عامك بالعمل والأمل، إذ لا يمكن عبور البحار بالوقوف على الشواطئ والتحديق في المياه، بل بصناعة السفن والإبحار بها.. فلا تستسلم لمعاول الحياة.. وبالتوكل على الله نطمئن لعدالته، ولا يُظلم من اتخذ الرحمن وكيلاً، ولا يُهزم… و… (ما أجملك حين تحاول فعل الخير/ وتُحسن حين يُسيئ الغير/ وحين تعيش لأجل الناس.. وسر لا ضير/ وجد في السير/ توكّل تُرزق مثل الطير/ وكُن كالشجر الأخضر/ يُعطي حين يصيب الأرض يباس).

الطاهر ساتي – صحيفة الجريدة