منوعات

بالفيديو.. «قعدة قهوة».. وسيلة اللاجئات والمهاجرات السودانيات والسوريات لإيجاد «السند»

فناجين قهوة متنوعة الأشكال والألوان، أطباق حلوى وكعك سودانى وسورى، تتراص بجانبها أطباق أكلات تقليدية إريترية مختلفة تحيطها رائحة البخور الممزوجة برائحة البن الإفريقى، وفى الخلفية أصوات الضحكات وهمسات الأحاديث الجانبية، وأغان سودانية وإريترية تتناغم مع الدبكة السورية، جميعها نغمات اعتادت السيدات الاستماع إليها فى الحفلات والأعراس فى بلادهن، ولكن اليوم يستمعن إليها فى حالة مختلفة ومكان مختلف، فى محاولة لاستعادة أجواء أوطانهن التى أجبرن على الخروج منها.

هى ليست تجهيزات لعرس أو احتفال خاص لكنها مجرد «جلسة قهوة» تحضرها السيدات من اللاجئات، وملتمسى اللجوء مرة شهريا، فرغم اختلاف جنسياتهن وعاداتهن، يتشارك الجميع فى الإعداد والتجهيز لجلسة القهوة، «علية- أسماء- إكرام- رقية- ست البنات- حفصة- سناء- لطيفة- ميسو- وفاطمة».. سيدات معيلات وزوجات، طالبات لجوء ولاجئات ومهاجرات ينتمين إلى جنسيات مختلفة، جمعهن «فنجان القهوة»، فى مساحة آمنة أسستها السيدات بأنفسهن بالجهود الذاتية وبمساهمة من بعض المتطوعين فى محاولة للمساعدة على تحمل أعباء فترة العزل المنزلى التى ضاعفت عليهن مصاعب اللجوء والغربة، وبالتالى أصبحت هذه الجلسات هى بمثابة السند لهن والوسيلة للبحث عن حلول لمشكلاتهن ولو بأبسط الإمكانيات.

السيدات يتشاركن فى الإعداد للجلسة بالقهوة والحلوى التى تنتمى لجنسيات مختلفة
شاركت «المصرى اليوم» السيدات رحلتهن فى البحث عن السند المعنوى والنفسى فى وقت انتشار فيروس كورونا، ورصدت جانبا من المشكلات التى واجهها بعض السيدات المعيلات بسبب نقص الدعم المقدم من المنظمات المعنية بملف اللاجئين العاملة فى مصر، وبسبب فقدان الكثيرات منهم لعملهن، بالإضافة لزيادة الأعباء الصحية على كاهلهن، ورصدت محاولاتهن البسيطة للوقوف بجوار بعضهن البعض رغم اختلاف جنسياتهن ودياناتهن ولغاتهن ولو بجلسات فضفضة.

فى جلسة القهوة تتولى «علية» إعداد الجبنة- القهوة السودانى- حتى تسكبها فى الفناجين، وتأتى «سناء» بفناجين ومفارش مختلفة الألوان احتفظت بها من السودان، أما «فاطمة» فتتولى رسم الحنة بنقوش مختلفة للسيدات، و«ست البنات» تعد الوصفات الإريترية المختلفة، و«لطيفة» تأتى بالحلوى السورى على اختلاف أنواعها، و«رقية وحفصة وإكرام وأسماء» جئن بأثواب سودانية وإريترية مختلفة والعطور المعروفة التى تذكرهن ببلادهن، والجميع يشترك فى إعداد أنواع الحلوى المختلفة، فهذه الجلسة تشارك فيها كل واحدة بما لديها للعيش لحظات بسيطة تشعرهن بأنهن «سيدات يعشن بحرية» على حد قولهن.

الدعوة لاحتساء الجبنة «القهوة» عامة لجميع السيدات فتدعوهن «ميسون» لقضاء وقت بدون أى ضغوط، فى محاولة لإيجاد السند النفسى والمعنوى.

فى منطقة البراجيل بالجيزة، يقع مركز «أجيال المستقبل التعليمى» الذى أسسته ميسون عبدالسلام، رفقة زوجها بالمنطقة، لتقديم خدمات تعليمية لأطفال اللاجئين وطالبى اللجوء من سكان المنطقة والدعم النفسى للأطفال سواء من هم مع أسرهم أو من هم غير مصطحبين من قبل أسرهم، تأسس المركز بالجهود الذاتية وبدعم لوجستى من قبل المنظمات الشريكة المعنية بقضايا اللاجئين والمفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين، خلال السنوات الثلاث تطورت خدمات المركز وأصبح مركزا تعليميا للاجئين يعمل على تدريس المنهج السودانى للأطفال أيا كانت جنسياتهم.

السيدات يتشاركن فى الإعداد للجلسة بالقهوة والحلوى التى تنتمى لجنسيات مختلفة
فى مارس الماضى أغلقت المدارس والحضانات بقرار من رئيس الوزراء لتجنب انتشار فيروس كورونا المستجد، وبالتالى اضطرت المراكز التعليمية الخاصة باللاجئين وطالبى اللجوء إلى الغلق لتفادى انتشار فيروس كورونا.

وخلال فترة الغلق حولت السيدات المركز إلى مساحة آمنة لهن اجتمعن فيها للطهى ضمن مبادرة «مستورة» لدعم مرضى كورونا لتوفير وجبات لمرضى كورونا والأسر المحتاجة، بجانب تقديم المساعدات العينية للأسر المحتاجة، وأخيرا تأسيس مساحة لتقديم الدعم المعنوى من خلال عمل جلسات للقهوة للحكى والفضفضة، بجهود ذاتية ومساعدة من بعض الشباب المصريين.

«ميسون» سيدة ثلاثينية سودانية، طالبة لجوء، وزوجة وأم لـ3 أطفال خريجة كلية الإعلام، وعملت فى مجال الإعلام والعلاقات العامة فى عدد من الدول العربية، جاءت مصر منذ 3 سنوات ونصف برفقة زوجها وأبنائها، جاءت على أمل الحصول على كارت اللجوء والسفر إلى الخارج، ولكنها فوجئت بأن الأوضاع تحتاج إلى المزيد من الوقت وطالت فترة تواجدها إلى سنوات، ومن هنا اضطرت هى وزوجها للبحث عن عمل لإعالة أسرتها وتحمل تبعات اللجوء وأدارت المركز وجمعية الأحلام الأفرو آسيوية السودانية فرع البراجيل.

مصر ليست دولة لجوء، فلا يوجد بها قانون اللجوء ولا تستقبل اللاجئين فى مراكز خاصة، ولكن يحظى اللاجئون فيها بدعم من مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مقره بالقاهرة، ولدى اللاجئين وطالبى اللجوء الحق فى الحصول على خدمات صحية وتعليمية من المؤسسات الحكومية والمنظمات الشريكة وفقا لمذكرات التعاون مع المفوضية، وبالتالى لهم الحق فى السكن بجوار المصريين فى نفس المناطق.

السيدات يتشاركن فى الإعداد للجلسة بالقهوة والحلوى التى تنتمى لجنسيات مختلفة
تركت ميسون فى السودان السند على حد قولها، فجاءت بصحبة والدتها فى البداية ثم تركتها والدتها وظلت هى وزوجها وأبناؤها فى مصر، وأصبحت مهمة البحث عن سند معنوى متمثل فى العمل وخدمة مجتمع اللاجئين.

ترى أن حجم المعاناة التى عانت منها السيدات اللاجئات وطالبات اللجوء والمهاجرات بأسرهن خلال فترة انتشار فيروس كورونا تضاعفت، خاصة بعد ما أغلقت المنظمات الدولية أبوابها ضمن إجراءات التدابير الاحترازية للحد من انتشار الفيروس، وتبع ذلك انخفاض فى المساعدات التى يحصلن عليها، تزامن ذلك مع فقدان السيدات أعمالهن وتعرض بعضهن للمرض، بجانب مخاوف على أسرهن من الإصابة بالفيروس، فرغم توفر خدمات علاجية أولية فقط من قبل وزارة الصحة للاجئين، وفقا لبروتوكول بين الوزارة ومفوضية اللاجئين، إلا أنه من الصعب الوصول حتى لأبسط الخدمات الصحية بسبب غلق المنظمات مكاتبها فهى حلقة الوصل بين اللاجئ والمؤسسات العلاجية.

«الجبنة فى السودان ضحك وهزار وفرح وحنة».. هذا ما قالته «ميسون» عن جلسات القهوة السودانى، حيث تشتهر بها السودان، وحيث تجتمع السيدات فى منزل إحداهن للحديث حول فنجان القهوة، تطول الجلسة لساعات فيها يتم تحميص البن وإشعال البخور، مع الحديث عن المشكلات المختلفة ومحاولة البحث عن حلول.

وأضافت: «بنعمل ده بأبسط الإمكانات سواء داخل المركز أو خارجه، مع السيدات فى بيوتهن خصوصا اللى مش قادرة تيجى بروحلها بيتها ونشرب فنجان قهوة ونتكلم لتقديم السند ولو بشكل فردى».

السيدات يتشاركن فى الإعداد للجلسة بالقهوة والحلوى التى تنتمى لجنسيات مختلفة
فقدت عملها خلال فترة انتشار فيروس كورونا، وزادت أعباؤها الصحية ما جعل خروجها إلى الشارع فى فترات بسيطة بسبب صعوبة حركتها، ورغم ذلك تحرص على التواجد مع زميلاتها فى المركز واحتساء فنجان القهوة معهن، وأحيانا تلتقى بها ميسون فى منزلها، فى محاولة للتخفيف عنها خاصة أنها حصلت على إعادة التوطين ويمكن لها السفر ولكن بسبب غلق المطار ضمن إجراءات منع انتشار فيروس كورونا، لم تتمكن من الذهاب إلى وطنها الجديد.. إنها «أسمريت مرهاوى»، لاجئة إريترية وأم لطفلين جاءت إلى مصر بصحبة أبنائها منذ 4 سنوات بعد رحلة طويلة من إريتريا إلى السودان ثم إلى مصر، رغم عدم تمكنها من الحديث بشكل جيد باللغة العربية إلا أنها تمكنت من التواصل والعمل فى مصر فى رسم الحنة وتجهيز العرائس، ولكن خلال فترة انتشار كورونا توقف عملها وأصبح من الصعب أن تحصل على احتياجاتها الأساسية، ورغم ذلك شاركت السيدات فى مبادرات إعداد الطعام، خاصة فى شهر رمضان فهى مسيحية الديانة، ورغم ذلك شاركت فى كل الفعاليات الخاصة بمجتمع اللاجئين.

تتحدث «أسمريت» العربية ولكن بلهجة سودانية، وهذا جعل تواصلها أسهل مع السودانيين والمصريين على حد سواء: «أنا بروح المركز عشان أحسن إن فى ناس معايا، رغم الظروف الصعبة اللى بمر بيها بحاول معاهم أنسى كل اللى عندى، ولو يوم معرفتش أروح بتجى ميسون عندى نشرب قهوة وأفضفض معها».

جلسات القهوة فى التراث الإريترى لا تختلف كثيرا عن الجبنة السودانى، حسبما قالت «أسمريت»، فهذه الجلسات تذكرها ببلادها وجلساتها مع صديقاتها قبل رحلة اللجوء، وحاليا هى أحد مصادر الدعم لها فى الغربة.

السيدات يتشاركن فى الإعداد للجلسة بالقهوة والحلوى التى تنتمى لجنسيات مختلفة
القهوة هى أحد الطقوس المصاحبة لجلسات الحكى والسمر فى الثقافة السورية جلسة القهوة تسمى «الاستقبال»، حيث تجتمع النساء للحكى والفضفضة وشرب القهوة السورى مع الحلوى، وهذه أحد أهم الطقوس التى افتقدتها «لطيفة دغمان»، منذ أن تركت سوريا ووجدتها فى جلسات القهوة السودانية.

«لطيفة» مدير مؤسسة «بكرة أحلى» سيدة تعيش وحدها فى مصر وهى أم لفتاة تدرس بالخارج، وهى مهاجرة فلسطينية سورية جاءت إلى مصر منذ 4 سنوات، حياتها عمل مستمر لدعم الفتيات من المجتمع السورى والسودانى واليمنى على حد قولها، فلديها حضانة تجمع بها بين السوريين والمصريين، وتعمل فى دعم الأسر السورية ومركز سورى لتعليم السوريين.

خلال فترة انتشار «كورونا» شاركت ميسون التى تمتد صداقتها معها لـ3 سنوات فى دعم الأسر التى فقدت عملها خلال هذه الفترة والأسر المريضة، وترى «لطيفة» أن هدف مساعدة اللاجئين هو السر الذى جمعهما وحول علاقتهما إلى علاقة إنسانية أخوية.

واعتادت حضور جلسات القهوة وارتداء الزى التقليدى السورى «البروكار» الذى لم تتمكن من ارتدائه كثيرا خلال فترة تواجدها فى مصر إلا فى المناسبات الخاصة بالمجتمع السورى، قالت لطيفة: «إن جلسات القهوة بتتعمل بمحبة هنا لأنها مش بتفرق بين الجنسيات، هدفها بس أن الناس تفضفض وتطلع اللى فى قلبها وبتكون فرصة حلوة عشان نقعد بحرية».

ووفقا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فى مصر فى أكتوبر الماضى، فإن عدد اللاجئين وطالبى اللجوء المسجلين حوالى 258 ألفا ينتمون لـ58 جنسية، منهم السودانية والجنوب سودانية والسورية والإريترية والإثيوبية وغيرها. ورصدت المفوضية تضاعف معاناة مجتمع اللاجئين وطالبى اللجوء خلال فترة انتشار الفيروس، فخسر الكثير عمله ومسكنه وانخفضت المساعدات ما جعل من الصعب أن توفر الكثير من الأسر معدات الوقاية، بالإضافة لمعاناة البعض من حوادث التنمر تجاه أصحاب البشرة السمراء، والتى تعد تصرفات فردية يقوم بها البعض، وتم التصدى لبعض الحوادث من خلال السلطات المصرية متمثلة فى النيابة العامة.

لمشاهدة الفيديو أضغط هنا

المصري اليوم