عبد اللطيف البوني

الموت بدم بارد

(1 )
ازدادت وتيرة الموت في بلادنا حتى ولو استثنينا الموت بسبب جائحة الكورونا نجد ايضا النسبة مرتفعة , ثم هناك موت ثالث يحتاج لوقفة خاصة وهو الموت السياسي فمنذ اغسطس 1955 حيث احداث توريت التي نسميها نحن تمردا ويسميها اخوتنا في جنوب السودان الآن شرارة ثورة التحرر ويحتفلون بها الى الاسبوع الماضي لم تتوقف طاحونة الموت السياسي فالحرب الاهلية وصراع السلطة (الانقلابات العسكرية ) والهبات الشعبية كلها شهدت ازهاقا للارواح وكمان دار فور كوم قائم بذاته حيث مزجت بين الحرب الاهلية والحرب المحلية وصراع السلطة والهبات الشعبية يحدث هذا الموت في ظل الانظمة العسكرية والمدنية فالحرب الاهلية لم تفرق بين النظم السياسية ومن المتفق عليه انه في سنوات الانقاذ تصاعدت وتيرة الموت السياسي بمتوالية هندسية ولم تسثنَ طاحونته حتى مؤيدي النظام كالذين ماتوا في حرب الجنوب فدعونا نسأل الله ان يهدي سر اهل السودان ويذهب عنهم الموت السياسي وهذا لن يتأتى الا بديمقراطية راسخة وعدالة وسلام مستدامات (لكن منين الاستدامة ياحسرة ؟)
(2 )
الموت الذي نحن بصدده اليوم هو الموت السياسي المجاني وهو ذلك الموت الذي لم يخطر على بال الضحية فالذي يقوم بانقلاب يضع الموت في حساباته والذي يخرج في مظاهرة في ظل نظام عسكري يدري انه في حالة مخاطرة ولكن هناك انسان لم يفعل هذه او تلك ولكن صدر منه فعل سياسي سلمي فيتعرض لمحنة الموت ليس بحكم قضائي انما بدم بارد ومن جهات مسؤلة كالاجهزة الامنية او اجهزة التحري وهذا النوع هو قتل جنائي كامل الدسم ولم تشهد بلادنا مكافحتة بمعاقبة الجناة الا نذرا قليلا لا يذكر نحن هنا لانتكلم عن الذين ماتوا اثناء التحري في جريمة جنائية انما نتحدث عن الذين ماتوا بتهمة سياسية ولم يعتدوا على روح او على مال وقد بلغ هذا الضرب من الموت السياسي مداه في استشهاد بهاء الدين نوري ود الكلاكلة في الاسبوع قبل الاخير لان الجهة التي فعلت ذلك ليس مخولا لها قانونيا حتى مجرد الاقتراب منه ناهيك عن احتجازه واستجوابه وتعذيبه وازهاق روحه وحسنا فعل الشارع السياسي بعدم سكوته عن هذا الفعل المنكر فاللراى العام سطوة وقوة لاتدانيهما قوة
(3 )
لئن كان الموت السياسي بصفة عامة ظل موجودا في كل الدنيا وظل متواترا في بلادنا الا ان الموت المجاني بالتعريف الوارد اعلاه اي الموت تحت التعذيب فهو وافد جديد على بلادنا حتى الانجليز بعد أن استقر لهم الامر في السودان واطمأنوا على نهاية المهدية فرغم فتحهم للسجون لقادة الحركة الوطنية الا اننا لم نسمع لهم تعذيبا وكذا عهد عبود وان اعدم قادة محاولة انقلاب 1959 (عبد البديع وكبيدة وآخرين) الا اننا لم نسمع انهم عذبوا السجناء المدنيين ويبدو أن التعذيب هذا قد بدا باستحياء في عهد النميري ولكن للاسف لم نتوقف عنده كثيرا بعد ابريل لتحجيمه لذلك تم التوسع فيه افقيا ورأسيا في عهد الانقاذ اي كما وكيفا فعلى العموم يظل التعذيب فعلا شيطانيا قبيحا منكرا ويحتاج لمبحث دراسي يوضح كيف تسرب الي بلادنا وكيف اصبح عملا ممنهجا والاهم من كل هذا كيفية القضاء عليه قضاء مبرما انه داء لعين يجب أن تتعافى منه بلادنا بأعجل ما تيسر وهذا يحتاج الى شغل منظم اكاديميا واعلاميا بالاضافة للسياسي والاجتماعي.

عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني