حيدر المكاشفي يكتب : سد النهضة ومفاوضات الباب الدوار
صارت سمة بارزة لاجتماعات وانفضاضات مفاوضات سد النهضة، فشل كما هو متوقع الاجتماع السداسي بين وزراء الخارجية والري في السودان ومصر وإثيوبيا الذي انعقد يوم الاحد الأول من أمس في التوصل لصيغة مقبولة لمواصلة التفاوض، هذا غير اضافة اثيوبيا لأزمة جديدة لهذا الملف المأزوم أصلا، باعلانها الاستمرار في ملء بحيرة السد للعام الثاني في يوليو القادم بمقدار 13.5 مليار متر مكعب بغض النظر عن التوصل لاتفاق أو عدمه، وأنها ليست ملزمة بالإخطار المسبق لدول المصب بإجراءات الملء والتشغيل وتبادل البيانات حولها..ويتضح جليا من كثرة الاجتماعات التي انعقدت دون نتيجة على مدى خمس سنوات، ان المفاوضات حول سد النهضة بمنهجيتها الحالية لن تؤدي الى شئ، سواء جرت هذه المفاوضات بين الدول الثلاث كما حدث في البداية، أو كانت برعاية امريكا والبنك الدولي في مرحلة تالية، أو كانت برعاية الاتحاد الافريقي في المرحلة الحالية، فالطبيعي في أي مفاوضات ان تقود الى نتيجة مهما تطاولت، الا مفاوضات سد النهضة التي استمرت لخمس سنوات ولاتزال بلا جدوى سوى استهلاك الوقت والجهد، فتحولت بذلك الى مفاوضات عبثية لا فائدة فيها ولا طائل منها، بل ربما صارت هدفا فى حد ذاتها للطرف الاثيوبي، يشتري بها الوقت عبر التسويف والمماطلة، بينما يمضي قدما في ترتيباته التي أعدها مسبقا على انفراد فيما يخص السد، لوضع دولتي المصب مصر والسودان أمام الأمر الواقع، وازاء هذا الوضع الملتبس لم يبق من حل فى تقديرنا سوى اعلان الخرطوم وقف المفاوضات نهائيا والتوجه الى مجلس الأمن لوحده أو بمعية القاهرة ان شاءت..فلا أظن أن عالم اليوم شهد قضية جرت حولها مفاوضات بكثافة ولسنين متطاولة دون التوصل لحل، غير هذه المفاوضات التي ما تزال تراوح مكانها حول سد النهضة، الأمر الذي يضعها في مقدمة باب غرائب المفاوضات في موسوعة غينس للأرقام القياسية..�ومن كثرة انعقاد وانفضاض مفاوضات السد الفاشلة، بدت وكأنها لعبة يتلذذ بها المتفاوضون كحال طفل غرير يلهو بالباب الدوار يدور معه دخولا وخروجا دون ان يلج الى داخل المبنى، وصارت حكاية بلا نهاية مثلها مثل (حجوة أم ضبيبينة)، وهي أحجية سودانية شهيرة لا نهاية لها، ولهذا درج السودانيون على نعت كل ما هو لولبي وزئبقي وحلزوني لا يعرفون له رأس من قعر، بأنه مثل (حجوة أم ضبيبينة)، وشخصيا لا أعرف حوار يدور بين متحاورين بلا طائل كالذي يحدث في مفاوضات السد، الا ذاك الحوار الذي تقول الطرفة أنه دار بين امرأتين من كبار السن ضعف منهن البصر وثقل السمع، فدار بينهن الحوار التالي:�حاجة زهرة: كيف اصبحتي حاجة بتول�حاجة بتول: سجمي وافليلي قلتي لي المات منو..�حاجة زهرة: إنتي ماشة السوق�حاجة بتول: لا أنا ماشة السوق�حاجة زهرة: معليش كنت قايلاك ماشة السوق�مثل هذا الحوار الذي لا يلتقي فيه المتحاوران أبداً وكأنهما قضبا سكة حديد، وما كان يدور حول السد لم يكن الا مثل حوار هاتين السيدتين الطاعنات في السن..
حيدر المكاشفي صحيفة الجريدة