عبد اللطيف البوني

علو قمة العلا


(1 )
في الاغنية الشهيرة التي تخلد ثورة المليون شهيد في الجزائر والمهداة لايقونة تلك الثورة جميلة بوحيرد للفنان الكبير عبد الكريم الكابلي ومن كلمات الشاعر البحريني الدكتور ابراهيم العريفي جاء (اغلى من لؤلؤة من بضة صيدت من شط البحرين\ مشهد يروي مصرع فضة ذات العينين الطيبتين \ كتراب الحقل كحفنة ماء \ كعناق صديقين عزيزين ..) شاهدنا هنا في عناق الصديقين اذ قفزت الى ذهني وانا اشاهد العناق الحار الذي تم بين سمو الاميرين , تميم امير قطر ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي في مطار مدينة العلا التاريخية السعودية يوم الثلاثاء الخامس من يناير الجاري تلك الصورة التي طارت بها القنوات والاسافير فكانت الاوسع انتشارا قبل أحداث الكابيتول مقر الكونغرس في السادس من يناير الجاري . استمدت صورة العناق هذه اهميتها من امرين اجرائي وجوهري اما الاجرائي فقد كان العناق حارا جدا حيث كان المتوقع أن تتم مصافحة بالايدي على اكثر تقدير لزوم التباعد بداعي الكورونا ثم طول الجفوة بين الرجلين ولكن الامير السعودي افرد ذراعيه مع صيحة مسموعة (نورت المملكة ) فاندفع اليه الامير القطري اما من ناحية موضوعية فالمعانقة لخصت القمة الخليجية رقم 41 قبل أن تبدأ.
(2 )
المعروف أن مجلس التعاون الخليجي كان اهم واكبر التكتلات العربية في العقود الاخيرة فمع تراجع العمل العربي المشترك ظل هذا المجلس يتطور كل عام منذ نشأته في 1981 فوصل مرحلة تحرير التجارة وحرية الحركة بين دول الخليج حيث كان الاشخاص والسلع ورؤوس الاموال تتحرك بين بلدان الخليج دون تأشيرة او جمارك فكان كل مواطن خليجي يتمتع بكافة الحقوق في بلدان الخليج الستة وكان التنسيق الامني والعسكري بين بلدان الخليج على اشده وكذا السياسة الخارجية وكانت في الطريق الى العملة الموحدة ولكن فجأة وبدون مقدمات حدث الخلاف الحاد بين هذه الدول في يونيو 2017م فأصبحت قطر في جانب والسعودية والامارات والبحرين في جانب وبينما ظلت الكويت وسلطنة عمان تقومان بدور المصالحة بين الطرفين الى أن وصلت مساعيهما مرحلة انهاء الخلاف فكانت قمة العلا وكانت المعانقة المشار اليها.
(3 )
في سنوات الصراع/ الخليجي لم تكن هناك جهة كاسبة بل كان الكل خاسرا في صراع الاخوة ولم تقف الخسارة عند دول الخليج بل تأذت منها كل الدول العربية خاصة تلك التي تتلقى مساعدات واعانات خليجية وقد استفادت من ذلك الخلاف اسرائيل وتركيا وايران فهذه الدول الثلاث ظلت تقتات من التمزق والتشرذم العربي بصفة عامة فوجدت في الصراع الخليجي بغيتها. لقد اجج الصراع الخليجي/ الخليجي التمحور العربي مما فتح الثغرات للغير اقليميا ودوليا لذلك جاءت قمة العلا بردا وسلاما ليس على الخليج بل على كافة الأمة العربية ولعل اجمل مافي هذه القمة أن المصالحة قامت على الطريقة العربية التقليدية وهي عدم الرجوع للوراء في لحظة التصالح انما المضي الى الامام بالروح الجديدة فكانت مقررات القمة 41 وكأنها امتداد لمقررات قمم ما قبل المفاصلة اي ما ينبغي أن يكون عليه الوضع الطبيعي ولكن من المؤكد أن هذا لا يعني تجاوز سنوات المفاصلة فهذه كونت لها لجان لمناقشتها بهدف المعالجة والاصلاح وعدم التكرار؛ انها سياسة التسامي على الجراح مهما كانت مؤلمة. إن المصالحة الخليجية تعني عودة الروح ليس لدول الخليج فحسب بل لمجمل العمل العربي المشترك.

عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني