ضحيتها المواطن .. أزمة الخبز .. مُواجهة بين الحكومة وشُعبة المخابز
خلال السنوات العشر الأخيرة كان، دائماً ما يبرز إلى السطح مع بداية كل عامٍ، صراعٌ بين الحكومة وشُعبة أصحاب المخابز، وهو صراعٌ لا يهدأ طوال العام، لكنه ينفجر مع كل موازنة بين مطالب لأصحاب المخابز برفع قيمة قطعة الخبز، وإصرار الحكومة على عدم زيادة الأعباء الاقتصادية على المواطن، بيد أن الصراع خلال العام الماضي انتهى أكثر من مرة لصالح أصحاب المخابز الذين قاموا أولاً بتخفيض وزن قطع الخبز، ثم في مرة ثانية رفع قيمتها إلى جنيهين، وثالثة أرغمت الحكومة على تخفيض الوزرن مجدداً وإدخال بدائل الخبز التجاري وتقليل جودة الدقيق المدعوم، لتكون الجولة الحالية حاسمةً، ضغط فيها أصحاب المخابز وتكون قيمة القطعة الواحدة (6) جنيهات.
مُواجهة علنية
مواجهة أصحاب المخابز مع الحكومة دخلت منعطفاً حاسماً، بشأن تسعيرة الخبز أمس، حيث يرى أصحاب المخابز أهمية تعديل فوري ورفع سعر قطعة الخبز إلى (6) جنيهات على الأقل، فيما تتمسّك حكومة ولاية الخرطوم وتحديداً الوالي أيمن خالد، بإلزام المخابز بالعمل وفق التسعيرة القديمة “جنيهين للقطعة زنة 45 جراماً”، وهو ما ترى المخابز أنه “استنزاف مستمر وخسائر تحملوها كثيراً”.
وليس جديداً المطالبة بزيادة سعر قطعة الخبز إلى خمسة جنيهات، بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج الخبز الحالية، حيث تقول المخابز إنها “غير مُجزية” وأدخلت عدداً من أصحابها في خسائر وأدت لتوقف بعضها عن العمل مع توقُّع خروج مخابز أخرى قريباً حال استمرار العمل بالتكلفة الحالية وعدم مشكلات التشغيل التي تواجهها المخابز في الغاز وأجور العمالة ونقص حصص الدقيق والانقطاع المتكرر للكهرباء.
أزمة مستفحلة
وبالأمس، توقفت معظم أفران الخبز في العاصمة الخرطوم عن العمل، وتزايدت الأزمة التي تعيشها العاصمة منذ سنواتٍ لتتزايد صفوف المواطنين أمام المخابز، وخرجت بسببها تظاهرات في أنحاء متفرقة من الخرطوم، ضمنها مدينة الثورة ومدينة الصالحة بأم درمان، ومناطق في شرق النيل، أشعل فيها المحتجون الإطارات، وطالبوا برحيل الحكومة وتغيير وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني، موضحين أنه يتحمّل المسؤولية كاملة وفشل فشلاً ذريعاً رغم تحرير سعر الخبز في توفير الدقيق!!
فشل حكومي
وقال متظاهرون استطلعتهم (الصيحة)، إن الحكومة فشلت في توفير الدقيق سواء كان مدعوماً أو غير مدعوم، وإنها رغم خلط القمح بالذرة في تركيبة مدنية الجودة لا تحتاج لاستيراد، كونها تعتمد على المنتج المحلي من القمح والذرة، إلا أنها فشلت في توفيرها للمواطن، ولفتوا إلى أن الحكومة أكدت أن المخابز المصرية التي تم تدشينها مؤخراً ستكفي نصف حاجة الخرطوم من الخبز، إلا أنها لم يكن لها أي أثر على أرض الواقع، مؤكدين أن وزير الصناعة مدني عباس فشل في معالجة أزمة واحدة لأكثر من عام!!
رؤية أصحاب المخابز
وكشف عضو اللجنة التسييرية لأصحاب المخابز، الباقر عبد الرحمن، عن مراوحة الأزمة لمكانها دون مُستجدات. وأوضح الباقر لـ”الصيحة” أنهم في انتظار مُقابلة الوالي، وهي الخطوة التي لم تتم حسب تأكيده حتى مساء أمس، موضحاً أن والي الخرطوم عقد اجتماعاً أمس مع شركة الخرطوم للأمن الغذائي، فيما تقول اللجنة التسييرية للمخابز إنهم في انتظار مكتب الوالي لتحديد موعد للجلوس معهم.
وفي الأثناء، كشف عضو اللجنة السابق، عصام عكاشة، عن إغلاق “4” مخابز خاصة به لعدم قُدرته على تحمُّل الخسائر، موضحاً أنه خرج من العمل كلياً، كاشفاً عن إغلاق عدد كبير من المخابز أبوابها وتوقُّفها لذات الأسباب، منها مخابز مملوكة لأعضاء باللجنة.
ارتفاع تكاليف الإنتاج
وتنتهج الحكومة، سياسة دعم جزئي لصناعة الخبز، تشمل توزيع الدقيق على المخابز بسعر مدعوم، مقابل عمل المخابز بتعرفة الجنيهين، إلا أن الاعتراض من أصحاب المخابز، في كون بقية مدخلات إنتاج وصناعة الخبز “ليست مدعومة وأسعارها في تزايد مستمر، مشيرين الى أن كرتونة الخميرة وصل ثمنها إلى ما يقارب الـ”10” آلاف جنيه، وجركانة الزيت “8” آلاف جنيه، كما ارتفعت أجور العمالة، وتعرفة الكهرباء، علاوة على تحرير أسعار الوقود، ومضاعفة أسعار غاز المخابز نحو ثلاثة أضعاف مع انعدامه في كثير من الأحيان، وحالياً تمر البلاد بأزمة غاز خانقة، وتُشكِّل هذه المدخلات نسبةً عاليةً من إجمالي التكلفة بحيث أصبح دعم الدقيق وحده “لا يكفي”، ولا يمثل شيئاً أمام تكلفة التشغيل والإنتاج.
إحصائية
حتى خواتيم العام المنصرم، كان عدد المخابز بولاية الخرطوم، “3.739” مخبزاً، تتباين حصص الدقيق اليومية التي تحصل عليها بحسب حجم المخبز والكثافة السكانية بالموقع، ويتناقص عدد المخابز العاملة تدريجياً بسبب المشكلات أعلاه، ورغم عدم وجود إحصاء رسمي عن عدد المخابز العاملة حالياً، إلا أن التقديرات تقول إن نحو 50% منها خرجت عن العمل كلياً، والبقية لا تعمل جميعها، حيث يتكرّر التوقُّف الجزئي، وبعض المخابز تعمل يومين في الأسبوع وبعضها لا يتجاوز فترة عمله ساعات قليلة في اليوم، بسبب العجز عن مُقابلة تكاليف التشغيل المُستمر.
الحاجة الفعلية
في جانب الدقيق، تحتاج البلاد لما لا يقل عن 600 طن من القمح في المخزون الاستراتيجي، وهو ما لا يتوفر حالياً، حيث لا تتجاوز السعة التخزينية 200 طن مما يجعل الاعتماد على الوارد مخاطرة غير مضمونة خاصة مع زيادة تكلفة الترحيل من الموانئ ونقص الوقود، وأدى هذا الوضع الضبابي لوجود عجز دائم في الدقيق بالولايات ويصل النقص في بعض الأحيان الى 50%.
مُتابعات
كشفت مُتابعات “الصيحة”، عن أن النقاش ظَلّ مُحتدماً ما بين حكومة ولاية الخرطوم وشُعبة المخابز حول الزيادات الكبيرة في تكلفة إنتاج الخبز الناتجة عن رفع الدعم عن الوقود وزيادة تعرفة الكهرباء وارتفاع تكلفة الترحيل والارتفاع والزيادة الكبيرة في أسعار مُدخلات الإنتاج الأخرى المتمثلة في الخميرة والزيت وأجرة العاملين.
وعلمت الصحيفة أنّ أصحاب المخابز يُصرِّون على رفع قطعة الخبز إلى (6) جنيهات وهو المقترح الذي تم رفضه بصورة قاطعة من قِبل حكومة الولاية التي ترى ضرورة أن تُناسب الزيادة في السعر مع نسبة ارتفاع التكلفة بما يخفف العبء على المواطن، إضافة لوضع ضوابط صارمة تمنع التلاعُب مُستقبلاً في الأوزان.
الخرطوم- جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة