اجسامنا ليه جسمين ؟
(1 )
ثورة ديسمبر المجيدة ثورة شعبية بكلما ما تحمل كلمة شعبية من معان . ثورة قامت بها القاعدة انطلقت من الدمازين ومن مايرنو ثم عطبرة ثم دخلت الخرطوم التي كانت اصلا ملتهبة . ثورة تكاملت شروطها الموضوعية من جوع وظلم وعسف وبطش ولكن لابد لها من الشرط الذاتي حتى تعبر ففي الخرطوم وبعد قرابة الشهر من انطلاقها تبلورت القيادة في تجمع قوى الحرية والتغيير (قحت ) الذي قام بدور التوجيه ثم الاستفادة من الانشقاق الذي حدث للنظام باتفاق اللجنة الامنية على ازاحة رأس النظام وبعد تلك الازاحة سلمت الجماهير امرها لقحت لاكمال مهام العبور ومن جانب النظام المنتهي تحولت اللجنة الامنية الى مجلس عسكري اعلن انحيازه للثورة ولما كانت قحت جسما فضفاضا مترهل الاطراف في مقابلة جسم متماسكوهو المجلس العسكري كان لابد من تنازلات وشراكة لتجنب البلاد الانزلاق .
(2 )
كمن يتمنى أن يأتي الحب بعد الزواج نظم الطرفان المدني والعسكري العلاقة بينهما وبمساعدة خارجية واطراف داخلية وكانت اوضح تكون العلاقة في الراس (البرهان وحمدوك وحميدتي) ولكن التنافر بين الاجسام ظل موجودا . استمرار الحصار الخارجي وفشل الحكومة في حل ازمات البلاد مع تمزق الحاضنة اعطى الجانب العسكري فرصة للتمدد فتنزلوا من الدور السيادي الي الدور التنفيذي فانفردوا باخطر الملفات وهي السلام والتطبيع ولكن رغم ظل المكون المدني عصيا على التذويب وذلك راجع لظرف موضوعي واضح وهو أن البلاد غير مهيأة لحكم عسكري بالمرة وان بذرة المدنية التي بذرتها الثورة لايمكن وأدها ومازال الشعب متمسكا بها راجيا الالتفاف على من يتعهدها بالسقاية والرعاية فاصبح الحال ثورة منهكة تحتاج لرأس وبالمقابل هناك رأس جاهز يحتاج الى جسم واطراف يسعى بها
(3 )
هذا الانفصال بين الجسم والرأس المشار اليه اعلاه جعل العلاقة بينهما ملتبسة يتماسان حينا ويتنافران احيانا وكل واحد يسعى الى تكبير كومه وكل واحد يخاطب الشعب بخطاب وكل طرف يبتز الآخر فعندما يتحدث الرأس عن فشل الفترة الانتقالية في توفير الضروريات للشعب يخرج الجسم قضية فض الاعتصام عندما يحتضن الرأس جماعة سلام جوبا يتجه الجسم الى عبد الواحد والحلو عندما يذهب الجسم الى الكونقرس وبايدان يتجه الرأس تل ابيب واللوبي الهناك . في النطاق الاقليمي يجد الرأس ترحيبا في الاقليم العربي اما في الداخل فشعبية كل منهما متأرجحة (ما بين بكا الساقية الهناك وما بين طفولة بتنتحب) كما قال الشاعر الكبير الدوش في (الساقية لسة مدورة) ثم جاءت الفشقة من حيث لم يحتسب احد فأوجدت شكلا من اشكال التقارب
(4 )
حالة البلاد الآن تبكي الخواجة فالوضع الاقتصادي قد يلحقها امات طه فلماذا لا نستغل الروح التي بذرتها الفشقة ليعمل الجميع متكاتفين في الناحية الاقتصادية ؟ لماذا لا نوحد بين قندول الذرة وقنديل الحرية ونحميهما معا ؟ الي متى يدفع المواطن المغلوب على امره ثمن صراع الجسم والرأس ؟ مشكلة لا بل مأساة البلاد الآن أن هناك عجزا تاما عن ايجاد مربع ثالث بعيدا عن الرأس والجسم المتناحرين فطالما انهما اصبحا قدرنا فعليهما اصلاح حاليهما واصلاح ما بينهما دون تفكير في اقصاء وهذا يتطلب تجردا من الجميع وفهما لمتطلبات المرحلة التي تمر بها البلاد دعونا نصلح من شأن السودان الذي بين ايدينا سودان الجميع ونتنازل ولو مؤقتا عن السودان الذي في رؤوسنا.
عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني