رأي ومقالات

السودان يسير نحو الهاوية


لنْ تعبر ⛔
جاء في مذكرات الدكتور منصور خالد أنَّ الزعيم الأزهري صَرَّح بأنَّه سيكون رئيساً للسودان في كل الأحوال كما جاء في القارديان(٢٥ فبراير ١٩٤٧)، وما أنْ قرأ ذلك الخبر الأستاذ عبدالفتاح المغربي صديق الأزهري كتب له يقول : (لو أصبحت رئيساً للسودان أنا حألبس رحط )، وعندما تحققت نبوة الأزهري عند استقلال السودان بعث بسكرتيره لسوق الجلود في أم درمان ليبتاع (رحطا) دون أنْ يدرك السكرتير ما الذي سيصنع الزعيم بالرحط، غلَّفَ الأزهري الرحط بغلافٍ جميلٍ وبعث به إلى عبدالفتاح مع رسالة ساخرة تقول (من رئيس الوزراء أزهري إلى صديقه عبدالفتاح المغربي) !

وأنا أقول للدكتور عبدالله حمدوك ورهطه من القحاتة : إذا عبرتم أنا حألبس الرحط، كيف تعبرون وقد بحثت في الصف الأول من حكوَمتكم العرجاء ولم أجد رجل دولة واحد قادر على أنْ يضع استراتيجية للعمل في موقعه أو وزارته وله القدرة على تنفيذ تلك الاستراتيجية، ( فرجل الدولة هو السياسي الذي يرعى قواعد الحكم الرشيد ويغلبها علي أهواء الحزبية)، هذا ما توقعه الشعب السوداني منك بعد أنْ حملك على أعناقه لهذا المنصب، لكنك للأسف طرحت شعبك و آماله جانباً واتبعت الأررزلين أو اتبعوك هم، تقودني تصرفاتكم إلى الإيمان بنظرية المؤامرة وأنَّ هناك مؤامرة تحاك ضد الوطن وربما دون علم المنفذين أو بتواطؤ منهم وخيانة للوطن فكيف تعبرون، معلوم أنَّ العامل الإقتصادي هو الذي عجَّل بزوال حكم الإنقاذ ومعلوم أيضاً أنَّ الشعب السوداني ما كان يعلم عنك شيئاً سوى أنَّك خبيرٌ اقتصادي، لذلك تفاءل خيراً وحلم بعيش رغيد ومعه تنمية مستدامة ولكن انظر ماذا جرى ؟ كيف تعبر وقد تركت وزارة المالية تلعب فيها الدكتوره هبة دور الطفلةالمعجزة، وفي عهدها تخطى الدولار حاجز الثلاثمائة والتضخم مثله أو قريب، ورغم ذلك تركت الوزارة لما يقارب العام دون وزير ! كيف تعبر وقد أهملت قصداً أو جهلاً كل وزارات القطاع الإقتصادي وتركتها دون وزراء فضاعت الصادرات والواردات؛ واختل الميزان التجاري وميزان المدفوعات ،

أصبح الشعب جله من الفقراء وأصبح الفقر رجلاً سيقتلنا عما قريب بعد أنْ كنا نفكر في قتله لو كان رجلاً ، كل شيء في وطننا ينهار أمام أعيننا وأنتم تنظرون ولكن لا تبصرون، كيف تعبرون وكل من حولك أصبح جابياً، رفعتم الدعم من المحروقات ووضعتموه على كاهل المواطنين ! ولا زالت الصفوف تتطاول دون التفكير في آثاره التضخمية التي ربما لا تلامس جيوب المسؤولين،

رفعتم الدعم عن الكهرباء ووضعتموه في عدادات بيوتنا وبالرغم من ذلك نعيش في ظلام بالليل والنهار ، أصبح العلاج والمواصلات لمن استطاع إليه سبيلاً ، كيف تعبرون وقد أصبح رواد صفوف الخبز أكبر من رواد صلاة الصبح، ويا ليته كان متوفراً فمعظم الواقفين في الصفوف يعودون بخفي حنين،

ولازال رفع الدعم مستمرا حتى وصلنا إلى بنك السودان المركزي الذي رفع الدعم عن الخدمات المصرفية ضارباً عرض الحائط بأهداف الشمول المالي الذي ينادي بتوفير الخدمات المصرفية لكل المواطنين بأقل تكلفة، كيف نجأر بالشكوى من هروب الودائع من المصارف ثم نفرض ضرائب على المودعين، .

وهكذا ترك الخبير الإقتصادي ورهطه هموم الشعب والضنك الذي يعيش فيه وقرب إليه وزير العدل والأوقاف وصاحب المناهج ، أصبح جل اهتمامكم الخوف على أطفالنا من الرعب المتمثل في سورة الزلزلة وختان الإناث وقانون الطفل والأحوال الشخصية و مايكل أنجلو، أخشى مستقبلاً ألا تجدوا شعبا تطبقون عليه قوانينكم المستحدثة فنحن بين خيارين أنْ نكون أو لا نكون ؟ الغريب في الأمر أنني كلما انتقدت د.حمدوك يقول لي البعض إنه رجل طيب ومهذب ، لا أختلفُ معهم في هذا ولكن(مهما كان من أمر الخصائص الخلقية الحميدة، فإنَّ تلك الخصائص لا تغني عن حذق المهن و إتقانها، فمنذ أنْ تكونت المجتمعات الإنسانية المنظمة أصبح من المسلَّم به أنُ يكون الطامح للحكم رجلاً ذا رؤية مبصرة للقضايا، وقدرة فائقة على التوفيق بين الرؤى المتصادمة، وإيمان عميق بما يطرح من رؤى، وقرون استشعار تمكنه من إدراك ما يترجاه من مشاكل أو قد تتهدده من مخاطر حتى و إنْ لم يلمسها بحواسه الظاهرة، فوق كل هذا لابد أنْ تكون له بوصلة أخلاقية تحثه على ما ينبغي أنْ يفعل وتردعه عمَّا يجب ألا يفعل .

هذه المتطلبات هي التي تجعل السياسي أو رجل الدولة أكثر إدراكا لمتطلبات مهنته، وأكثر قدرة على التمييز بين الذاتي والموضوعي، هذه المدركات مجتمعة تسبق أي معيار آخر للتأهيل مثل التعليم والتمهر في المهن والبلاغة في التعبير) .
وأختم و أقول : لن تعبروا ولو حرصتم فقد كتبت في العام ٢٠١٠م أنَّ العامل الإقتصادي سيعجل بزوال الإنقاذ وكان الدولار انذاك ٣ثلاثة جنيهات فما بالكم والدولار في يومنا هذا ٣٠٠ ثلاثمائة جنيه ؟ كيف تعبرون وقلوبكم شتى وأنتم شركاء متشاكسون يلعن بعضكم بعضا و يكفر بعضكم ببعض وتمكرون ويمكرون ، عموماً إذا لم تعبروا ولن تعبروا الرماد كال حماد ! !.

أخيراً هل تذكرون خطاب الدكتور عبدالله حمدوك في ٣١ ديسمبر بمناسبة عيد الإستقلال حيث أعلن على الملأ على غير العادة بأنَّ كل أجهزة الحكَم بما فيها المجلس التشريعي ستكتمل خلال أيام، ثم ترك كل شيء وسافر لدولة الأمارات مستشفياً كما قيل ثم عاد سالماً نحن في اليوم العشرين من يناير ولم يحدث شيء ولا زلنا في الإنتظار والبلاد تسير نحو الهاوية ! .

بقلم
الخبير الإقتصادي
والأمين العام لديوان الضرائب السابق
الدكتور
عبد القادر محمد أحمد