حيدر المكاشفي

القوات الفوضوية

ما سميت القوات النظامية بـ(النظامية) الا لكونها قوات منظمة ومنضبطة، ويعد الضبط والربط مظهراً أساسياً من مظاهر حياة هذه القوات، ويشكل الانضباط والالتزام بالنظام علامة فارقة على جديتها في التعامل بما يظهر مدى الإحترام وحسن التصرف والولاء للسلطة القانونية وإحترام وتقدير الرؤساء وتنفيذ الأوامر والتعليمات العسكرية بنصها وروحها بكامل الرضي دون أي حرج بما يكون نتيجته حسن أداء العمل والمهام، وقد اشتهرت القوات النظامية السودانية من جيش وشرطة عبر تاريخها بأنها كانت مثالا للانضباط والضبط والربط، وكان الجيش السوداني منذ تأسيس نواته الاولى قبل الاستقلال يعد من أميز الجيوش فى المنطقتين العربية والافريقية، ليس فقط فى النظام وتحلي أفراده بالانضباط الصارم بالتقاليد العسكرية والخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة، وانما ايضا تعدى أداءه الفني العسكري المحكم الى القيام بأدوار مدنية تتمثل في تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية وحفظ الأمن بالشراكة مع الشرطة في حالة الأوضاع الأمنية المضطربة، وكانت عقيدته القتالية تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية، هذا الى جانب اشتهار الجندي السوداني باهتمامه الواضح بمظهره العام والخاص، ويقال في ذلك ﺃﻥ ﻋﺴﻜﺮي ﺯﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺰﻳﻪ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻭﺍﻋﺘﻨﺎﺋﻪ ﺑﻤﻈﻬﺮﻩ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺮﻁ ﻓﻲ ﻏﺴﻞ ﻭﻛﻲ ﺭﺩﺍﺋﻪ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﻳﺮﺗﺪﻭﻥ ‏( ﺍﻻﺭﺩﻳﺔ ‏) ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺒﻨﺎﻃﻠﻴﻦ ﻟﺪﺭﺟﺔ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻭﺿﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺩﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺽ ﻟﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻃﻮﻟﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻥ ﻳﺘﻜﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺽ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﻀﺮﺏ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ الغسيل النظيف وﺍﻟﻤﻜﻮﺓ ﺍﻟﺠﻴﺪﺓ ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻋﻨﻬﺎ ‏( ﻣﻜﻮﺓ ﻋﺴﺎﻛﺮ ‏)، وكذا كان الحال في البوليس ولا أقول الشرطة..
ولكن أطل علينا الآن زمان لم يعد فيه الضبط والربط كما كان مئة بالمئة، وكما غنى وردي من كلمات محجوب شريف رحمهما الله (شفت البنادق في السماء..الضبط والربط انتمى للشعب شعب الملحمة)، ويبدو جليا ان هذا التراجع في الضبط والانضباط العسكري من الافرازات السالبة لعمليات تسييس وادلجة القوات النظامية التي عمد اليها النظام المخلوع منذ وثوبه على السلطة من على ظهر دبابة بقيادة عسكريو الحركة الاسلامية، فصار من المألوف جدا اليوم أن تسمع عن جلبة وفوضى وضوضاء وشغب وعراك يثيره نظاميون، فيما بينهم احيانا ومع مواطنون احيانا أخر، ولكن للأسف رغم توالي وتكرر هذه الانفلاتات التي تصدر ممن يفترض فيهم حفظ النظام والأمن، فان قياداتهم لا تعير هذه الفوضى اهتماما لتوقفها عند حدها وكأنها لا تعنيهم..ومن عينة هذه الفوضى التي يثيرها نظاميون، ما حدث مؤخرا بمستودع الشجرة حتى اضطر مديره لاغلاقه حفاظا على أرواح العاملين والمنشآت بسبب الفوضى التي أثارها نظاميون للحصول عنوة على الغاز، هذا غير العراك الذي وقع بين أفراد من الجيش والشرطة بودمدني وكاد أن يشعل المدينة، وكل ذلك بسبب خرق احد النظاميين لترتيبات صرف ا فلوقود باحدى المحطات واصراره على التزود عنوة واقتدارا، وهناك عشرات الأمثلة من هذه الشاكلة وربما المزيد منها قادم لو لم تتخذ قيادات الأجهزة النظامية من القرارات ما يوقف هذه الفوضى عند حدها.

***********

صحيفة الجريدة