صلاح الدين عووضة يكتب.. يا زمن !!
فالزمن يمضي..
وطبعاً هو يمضي… فهذا قدره… وقدر أفلاكٍ تدور – وتمضي – فتجعله يمضي..
وشعورنا – نحن البشر – به نسبي..
وأبلغ من لخص هذه النسبية في كلمات عذبة زميلنا الراحل فضل الله محمد..
وذلك حين قال شعراً تغنى به محمد الأمين :
الغريبة الساعة جنبك تبدو أقصر من دقيقة
والدقيـقة وانـت مافي مـُرّة ما بنقدر نـطيقا
والحديث عن الزمن – والزمكان – يُغري بالشجون…. والفنون…. والجنون..
ثم يُغري – مزجاً بين ذلكم كله – بالتفلسف..
ولكن الزمن عندنا في بلادنا يبدو غريباً… غرابة الساعة عند شاعرنا فضل الله..
فهو كأنه يمضي في حركة دائرية… كما الأفلاك..
ومن ثمّ فإننا لا نشعر بحركته… أو نشعر بأنه لا يتحرّك… أو لا نشعر به أصلاً..
لاحظ لحركتنا السياسية – مثلاً – منذ الاستقلال..
والحركة – كما هو معروف علمياً – أصل الزمن… فبدون حركة لا يُوجد زمان..
تجدها تدور ما بين ثورة… فانقلاب… فثورة..
أي أننا ندور حول أنفسنا؛ ويدور معنا – في دوراننا هذا – الفشل… في كل شيء..
وحين كنت أقلب جانباً من أوراقي انتبهت لشئ غريب بدوره..
وهو أن بعض ما سطّرته في هذه الأوراق بالأمس – نقداً – يصلح تماماً اليوم..
فلا فرق بين الزمنين إلا في بيوت الأشباح..
بل إن ما كنا ننتقده من فشلٍ – في عهد البشير – تضاعف الآن على نحو خطير..
كما في مجال الأسعار… والمعيشة… والكهرباء… والجنيه..
وفي إحدى هذه الأوراق وجدت نقاشاً مُضحكاً – مبكياً – بيني وبين أديب روائي..
ولا داعي لذكر اسمه بما أن الزمن مضى به نحو الأسوأ..
كحال جنيهنا… ومعيشتنا… واقتصادنا… وكهربتنا… وتعليمنا… ووزرائنا الذين مضوا..
وربما الذين أتوا أيضاً… فهكذا علمنا زمننا السوداني..
ابتدره هو بسؤال عن لماذا لا أكون كأنيس منصور عوض الإعجاب.
وحسب..
فأجبته: ولماذا لا تكون أنت كنجيب محفوظ وأنت به معجب؟..
فاكتفى بضحكة أشبه بالصهيل – إجابةً عن سؤالي – حتى بانت حشوات أضراسه..
فأبت نفسي الأمّارة بالانتقام إلا أن أزيد من ضحكه ألماً..
فذكَّرته بمقهى الفيشاوي الذي يبدع منه نجيب… بينما يشخبط هو أمام حاجة عيشة..
وعيشة هذه ست شاي… تفتأ تتذمّر من تراكم ديونها عليه..
وكاتبه المُفضّل هذا – محفوظ – يُطارده الناشرون… في حين يُطارد هو الناشرين..
ثم ضربت له أمثلة بوزراء هنا… مقارنة برصفائهم هناك..
فالحال من بعضه – قلت له – ولن ينصلح حالنا إلا إن انصلحت ماكينة زمننا..
والآن ضع أي وزير جديد محل الذي مضى… لا فرق..
أو ثمة فرق بمقدار سرعة الزمن هنا… وهناك… وفي أمكنة أخرى من العالم..
نسيت أن أذكر اسم الرواية التي كان يشخبطها آنذاك..
فقد كان عنوانها حرقة حشا… وقطعاً لم تر النور إلى زماننا هذا… ولن تراه..
وعندما صادفته قبل شهرٍ، كان يُدندن برائعة إبراهيم الرشيد..
وهي عن الزمن… فلم أدر: أعتابٌ له… أم توسلٌ كي يتوقّف قليلاً كما في الأغنية..
ويمد صوته الرفيع صائحاً :
يا زمـــــن !!.
صحيفة الصيحة