حيدر المكاشفي

التعويم..يا غرق يا جيت حازما


أول ما استمعت لقرار تعويم الجنيه السوداني الذي تبادل في اذاعته والتبرير له، كل من وزير المالية جبريل ابراهيم ومدير البنك المركزي الفاتح زين العابدين، قفزت الى ذهني مباشرة أغنية وردي الشهيرة (القمر بوبا) التي صاغها بلهجة شايقية قحة الشاعر اسماعيل حسن، ويقول اسماعيل حسن في أحد مقاطع الاغنية التي يصف فيها معركته المصيرية للظفر بمحبوبته ويصور ساحة النزال بأنها تدور في بحر متلاطم الأمواج، ويقول انه ازاء هذه المعركة الحامية أمام أحد خيارين إما أن يأتي بمحبوبته أو يغرق، والمقطع يقول:
الجزيـري أم بحرا حما
فيها روحي وقلبي الـنما
مابسـيبا إن بقي في السماء
مابخلي الناس تظلمــا
روحـي فـي دربك سالما
يا غرق ياجـيت حازما
القمر بوبا على التقيل
ومنذ ظهور هذه الاغنية وتسيدها للساحة الفنية، تواضع أهل السودان على استخدام عبارة (يا غرق يا جيت حازما)، حيث نالت شيوعاً كبيراً، وظل الناس يستدعونها للدلالة على مواقف معينة، وعبارة (يا غرق يا جيت حازما) تقال كناية عن المجازفة في فعل شيء أو محاولة عمل شيء معين، فإن وفق الشخص وأصاب في المحاولة فهو يأتي (حازما) ، اما اذا اخطأ وفشل فلا مصير له غير الغرق، كما يستخدم السودانيون عبارة أخرى في ذات الخصوص مؤداها (يا غرقة يا مرقة)، يقولونها في الشخص الذي يخوض تجربة بلا تأهيل أو تحضير واستعداد كاف..لقد كان اعلان تعويم الجنيه مباغتاً ومفاجئاً وصادماً للناس، ففي الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه ما تقدمه الحكومة من احترازات قبل الاعلان الرسمي للتعويم، فوجئوا باعلان التعويم قبل ان تحيطهم الحكومة علماً بما أعدته من ترتيبات للتخفيف على الأقل من الآثار الجانبية القاسية للقرار، اذ كان مجلس الشركاء عند تداوله حول التعويم في آخر اجتماعاته قد كلف رئيس الوزراء ووزير المالية بتقديم رؤية حول الاجراءات الاحترازية التي يجب اقرارها قبل التعويم، غير ان ما حدث كان هو اعلان التعويم قبل تقديم هذه الرؤية واجازتها بواسطة مجلس الشركاء واعلانها للرأي العام، ولا يعلم الرأي العام حتى اللحظة عن اي ترتيبات للحكومة لامتصاص صدمة القرار، سوى كلام معمم وتطمينات مرسلة من وزير المالية تثير من القلق والانزعاج أكثر مما تطمئن، وهذا ما جعل بعض الخبراء والمحللين الاقتصاديين والماليين يعدون قرار التعويم بأنه قفزة في الظلام، ويقول عنه البعض الآخر انه جاء على طريقة (يا غرق يا جيت حازما) كما غنى وردي، وهذا ما يحسب ضد الحكومة كونها (دغمست) الموضوع واحاطته بشئ من الغموض ولم تكن صريحة وواضحة وشفافة كعادتها، هذا في حالة كونها تملك فعلياً وتحت يدها احترازات وتحسبات معقولة لآثار القرار وعلى رأسها توفر احتياطي نقدي معقول من العملات الاجنبية للبنك المركزي وعلى رأسها الدولار، اما اذا كانت الحكومة خالية الوفاض فلاشك ان التعويم سيغرق الفترة الانتقالية، وربما لا قدر الله البلد بأكملها..

حيدر المكاشفي.. صحيفة الجريدة